للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الحج في إصلاح النفوس]

الحج واحد من هذه العبادات التي لها أثرها في إصلاح النفس وتربيتها وتزكيتها، ومن حكمة الله عز وجل أن تكرار العبادات يتفاوت، فمنها ما يفعله الإنسان كل يوم مرات عديدة، ومنها ما يتكرر في العام، ومنها ما يتكرر في الحول مرة واحدة، ومنها ما يكفي في العمر مرة واحدة، ولا شك أن الفرائض كافية لإصلاح النفس وبناء النفس إذا التزم بها الإنسان وأداها كما ينبغي، لكن يبقى بعد ذلك مجال واسع للاجتهاد بالنوافل والتقرب إلى الله عز وجل بالنوافل.

الحج -أيها الإخوة الكرام- يصلح النفوس، ويبنيها، الحج لم يشرعه الله عز وجل من أجل أن نعيش النصب والتعب، يقول الله تبارك وتعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧]،فالله عز وجل لن يناله تلك اللحوم أو الدماء التي نريقها في الحج إنما يناله تبارك وتعالى التقوى، شرع الله عز وجل هذه العبادة لهذه الحكم العظيمة، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٩٧].

فشرع الله تبارك وتعالى هذه العبادة وهو عز وجل غني عنا، وهو تبارك وتعالى غني عن خلقه، شرع هذه العبادة لنا لأننا نحن نجني الثمرة، لكن لما سيطرت المظاهر على حياة المسلمين، وأصبحت المظاهر هي القاعدة في حياة الناس، ينظرون إلى المظاهر، ولا يعيشون الحقائق والجوهر، أصبحت العبادات في حس كثير من المسلمين مظهراً أكثر منها حقيقة، أصبح الناس يجتهدون - من يجتهد منهم في ذلك- في إصلاح مظهر العبادة، ويغفلون عن الأهم وهو مقاصد العبادة، يجتهدون في تعلم أحكام العبادة الظاهرة ويغفلون عن تعلم المقاصد، ولاحظوا -مثلاً- سلوك الحجاج، وهم يقومون بأعمال الحج، ويطوفون، ويرمون الجمرات، وهم يؤدون أي منسك، تأمل في الصورة العامة، أنت لا تستطيع أن تقرأ ما في القلوب فالقلوب لا يعلمها إلا علام القلوب، لكن حينما تنظر إلى الناس وتلقي نظرة عامة وترى سلوك الناس فإن سلوك الناس يعبر عن نظرتهم لهذه العبادة، وهم يرمون الجمار وهم يسعون وهم يطوفون وهم يقفون المواقف.

القضية الأساسية عندهم هي مظهر هذه العبادة دون حقيقتها، ودون حكمها وجوهرها، والله عز وجل لم يخبرنا بمقاصد العبادات وأحكام العبادات في كتابه إلا لأجل أن نعيها ولأجل أن نراعيها ونحن نقوم بأداء هذه العبادات، ولأجل أن نتساءل -دائماً- ونحاسب أنفسنا: ماذا حققنا منها؟ ماذا تحقق منها لدى أنفسنا؟