للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحقيق التقوى]

يبدو التقوى من أهم مقاصد وآثار الحج، وجاءت الإشارة إلى التقوى كثيراً في آيات القرآن التي تحدثت عن الحج، يقول الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٩٧]، وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن أحكام الحج، جاءت لتبين أن للحج صلة وثيقة بالتقوى، وصلة وثيقة بتحقيق التقوى، فالحج يعلم الإنسان أن يتقي ربه من خلال التزامه وانضباطه بالأحكام التي شرعها الله عز وجل في الحج، ثم هو يربي النفس على التقوى، فيعود الإنسان حينما يعود من الحج وهو أكثر تقوى لله تبارك وتعالى؛ ولهذا كان هذا الحج يستحق هذه النعمة العظيمة، (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، ويستحق تلك المنزلة العظيمة حين قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، الحج يربي التقوى في النفوس، والنفوس تحتاج إلى التقوى، تحتاج إلى أن تتربى على تقوى الله عز وجل، ومخافة الله عز وجل، تحتاج إلى أن تعيش التقوى في نفسها، هذه التقوى التي تلزم الإنسان بطاعة الله عز وجل، والتي تحجز الإنسان عن معصية الله عز وجل، هذه التقوى التي تجعل الإنسان يعيش حياته كلها في إطار مرضاة الله عز وجل في سائر أموره، في صلته بربه تبارك وتعالى، في تعامله مع الناس فيما بينه وبينهم، في حياته الاجتماعية، في حياته الاقتصادية، التقوى في حياة الفرد والتقوى في واقع الأمة، أن تعيش الأمة شعار التقوى، أن نرى التقوى ظاهرة في واقع الأمة، حينما نتأمل اقتصاد الأمة، وحينما نتأمل في الواقع الاجتماعي للأمة، حينما نتأمل في واقعها السياسي، حينما نتأمل في المجتمع وطبيعته وعلاقته نرى التقوى ظاهرة وسمة بهذه الأمة، هذه العبادات -ومنها الحج- تحقق هذا المعنى وتبنيه، سواء في نفوس الأفراد أو في نفوس المجتمع ككل، وبالأخص حينما نتعامل مع الحج، فالحج عبادة جماعية، فالحج لا يؤديه الإنسان لوحده، بل تجتمع فيه الأمة، ويجتمع فيه المسلمون جميعاً فتتحقق هذه المعاني، تتحقق التقوى في حياة الفرد وشخصية الفرد، وتتحقق التقوى على مستوى الأمة والمجتمع.