للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنوع العبادات في الحج]

الحج يمارس فيه الإنسان العبادة بأنواعها العديدة، فهو يذكر الله عز وجل، ويدعو الله تبارك وتعالى، يطوف ويسعى ويرمي الجمرات، عبادة بدنية، عبادة قلبية، كل أنواع العبادات موجودة في الحج، وتتكرر.

والعبادة كما قلنا: تصلح النفس وتصلح القلب، بتنوع هذه العبادات مجال لتنوع التأثير على شخصية الإنسان، فالناس يختلفون، والناس يتفاوتون؛ ولهذا راعت الشريعة هذا الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة) هذا الأمر يعني أن مجالات التقرب إلى الله عز وجل ومجالات التميز في طاعة الله مجالات واسعة تستوعب جميع الناس وفئات الناس، من الناس من يجد أنسه وراحته في الصلاة، فهو من أهل الصلاة والاجتهاد فيها، ومن الناس من يجد ذلك في الصيام، ومنهم من يجده في الصدقة، وهذا في إطار التميز في النوافل والتقرب إلى الله عز وجل والاجتهاد فيها.

أما أصل الفرائض فلا يعذر أحد فيها، ولا يمكن أن نرى مسلماً يوصف بأنه من أهل الصيام وليس من أهل الصلاة بمعنى أنه لا يؤدي الفريضة.

وهكذا أيضاً حينما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه، صنف لنا أصحابه فقال: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم بأمر الله عمر وأقضاهم علي) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم تفاوت أصحابه، فأخبر أن منهم من هو أقرأ للقرآن، ومنهم من هو أعلم بالحلال والحرام، منهم من هو أمين هذه الأمة، ومنهم من هو أميزهم قضاءً، وأشدهم في أمر الله، ومنهم من هو أرحم هذه الأمة، وهكذا نجد أن جانب التميز الذي كان يعيشه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان ينطلق من شخصياتهم، فعلى سبيل المثال لو تأملت في شخصية أبي بكر رضي الله عنه وحياته تجد أن طبيعته وتكوينه فيه الرقة ولهذا كان تميزه من هذا المجال والميدان.

ولو رأيت طبيعة عمر رضي الله عنه وتكوينه تجد فيه الحزم، والشدة رضي الله عنه، فصار تميزه منسجماً مع شخصيته، فصار أشدهم في أمر الله عز وجل، وهذا التنوع نلمسه في الحج، وهو يعني أن هذه العبادات تلائم فئات الناس كلها، وهذا من عظمة هذا الدين، وحينما نتأمل في الأديان التي اخترعها الناس أو التي حرفوها نجد أنها تركز على جانب معين وتعالج جانباً واحداً، منها ما يركز على إتعاب الجسد وإنهاك الجسد، ومنها ما يركز على التخلص من الرغبات والغرائز، أي أنها كلها جاءت وفق منحىً محدد، أما هذه الشريعة فقد جاءت واسعة، جاءت تستوعب حياة الناس كلها، فهي تلائم كل الناس، وكل إنسان يجد له مجالاً يلائمه، وهي أيضاً تصلح النفس؛ لأن النفس تحتاج إلى كل هذا، النفس تحتاج إلى جانب فيما يتصل بالمال فيما يتصل بالجهد فيما يتصل بكافة جوانب وأمور الحياة، وهي أيضاً تلائم الإنسان فيما يصلح دينه ودنياه، فإن الإنسان على سبيل المثال في أمور الدنيا يحتاج إلى تهذيب ويحتاج إلى ما يصلح حاله، فتأتي هذه العبادات المتنوعة -ومنها الحج الذي يحوي التنوع في هذه العبادات- تسهم في إصلاح دنيا الإنسان، وتهيئه لأداء هذه الوظيفة التي خلق من أجلها، وهي عبادة الله عز وجل، وعبادة الله عز وجل متمثلة في صلته بربه تبارك وتعالى وفي قيامه بعمارة هذه الأرض وفق منهج الله عز وجل.