للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنمية القيم الجماعية]

أيضاً مما يتحقق في الحج تنمية القيم الجماعية، الحج عبادة جماعية وليس عبادة فردية، وهذا من حكمة الشريعة، فإننا نجد التنوع في العبادات، نجد مثلاً الصيام عملاً فردياً بين الإنسان وبين ربه عز وجل، ولا يعني اجتماع الناس على الإفطار أن الصيام تحول إلى عبادة جماعية، ونجد عبادات فردية وجماعية مثل الصلاة، فالصلاة المكتوبة جماعة لكن الإنسان يصلي نافلة لوحده، فتحقق هذه المعاني، ونجد من العبادات ما لا يشرع إلا جماعة، ومثل ذلك الحج فإن الإنسان صحيح أنه يمارس عملاً فردياً لكنه في النهاية يعيش الحج مع الناس، فيجتمع الناس كلهم في يوم عرفة، ويجتمعون في مزدلفة في وقت محدد، فالطواف له وقت محدد ورمي الجمرات وهكذا سائر المناسك، وهذا الاجتماع مقصود ويحقق معاني عديدة، وأعتقد أنا لو تحدثنا عن القيم الجماعية في الحج لاستوعب هذا الحديث الوقت كله، لكن من أهم ما نحتاج إليه تنمية القيم الجماعية، كيف يعيش الإنسان مع الجماعة، كيف يعيش الإنسان مع الآخرين، كيف يتواصل مع الآخرين، يجتمع الناس في الحج، لا يجمعهم لغة، لا يجمعهم جنس، لا يجمعهم لون، لا يجمعهم إلا شيء واحد هو هذا الإسلام وهذا الدين، فيحقق معيار الانتماء للجماعة، يحقق هذه الوحدة الجماعية بين الأمة، وأن أهم ما يجمع الأمة هو هذا الدين الذي يجمعها على اختلاف لغاتها وألوانها وأجناسها وفئاتها، وهذا الأمر نلحظه واضحاً ونحن نعيش ونتفاعل مع موقف الحج.

أيضاً مواقف اجتماع الناس ينشأ عنه تفاعلات وتواصل بين هؤلاء تعلم الناس قيم الجماعة، فيتطلب -مثلاً- قدراً من التضحية، حيث يشعر الإنسان أنه بحاجة أن يؤخر قضاء حاجته من أجل الآخرين، فهو -مثلاً- يريد أن يقبل الحجر، لا يمكن أن يجتمع اثنان على تقبيل الحجر، وهي يعني كما يقال: العبادة الوحيدة التي لا يمكن أن يعملها اثنان في وقت واحد على ظهر الأرض، فما دمت سأقبل الحجر يجب أن أنتظر أن ينتهي من جاء قبلي ثم آتي بعده، وحينما أقبل الحجر فإنني سوف أكون على حساب الآخرين.

وهكذا حينما يصلي الإنسان وراء المقام، فقد لا يجد مكاناً فإنه بحاجة إلى أن ينتظر، كذلك حينما يريد رمي الجمرات، هذه المواقف تنمي عند الإنسان القيم الجماعية، تنمي عند الإنسان أن يعرف أن للآخرين حقوقاً، سواء في مجال وميدان التعبد أو في غيرها من المجالات والميادين، وهذه القيم لا يمكن أن تملى إملاء، ولا تعلم للناس تعليماً، ربما يسمع الناس كلاماً جميلاً حول الجماعة، حول الانضباط، حول الإرادة ويؤثر فيهم، لكن هذا لن يحقق هذا المعنى بصورة صحيحة في النفوس ما لم يعايشه الناس عملاً، يعايشه الناس من خلال البيئة والمواقف العملية.