للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جهاد وجهاد لا قتال فيه]

الأمر السادس: جهاد وجهاد لا قتال فيه، تقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) هنا عائشة تقول: نرى الجهاد أفضل الأعمال، هذا الجهاد هو أفضل الأعمال، وهو الذي لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: دلني على عمل يعدل الجهاد في سبيل الله.

قال: لا تطيقونه فعندما ألحوا عليه، قال: (هل تطيق إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر، وتصلي فلا تنام؟ قال: من يطيق ذلك؟ قال: لا يعدل الجهاد شيء)، هذا الجهاد ذروة سنام الإسلام، وقد يطيب لنا أن نسمع الحديث عن الجهاد وعن البطولات، نقرأ في الكتب، نسمع الروايات عن البطولات مع الجهاد، ويستلقي الإنسان على فراشه ويمني نفسه بالجهاد لكنه ينسى أن الجهاد يعني: قعقعة السلاح، الجهاد يعني: الخوف، يعني: الرعب، يعني: مواجهة العدو، يعني: مواجهة الأخطار كلها، يعني: أن يواجه الحرب والبرد والخوف والهلع والجوع والظمأ والعطش، يعني: أن يواجه كل ما يواجهه الإنسان من مصائب في هذه الحياة، هذا الجهاد الذي فرضه الله على المسلمين، والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، أليس يعطينا دلالة أن الأصل في حياة المسلمين هي الحياة الجادة؟ أليس يعطينا دلالة أننا بحاجة إلى أن نربي الرجال الذين يتهيئون لهذه المواقف.

أما الإنسان الذي يفزع بمجرد أي موقف، الذي يخاف ويذعر من مجرد أي صيحة، الإنسان الذي ليس لديه أي استعداد أن يتحمل الجوع والعطش والحر والبرد لا يتحمل هذه الأمور ليس مؤهلاً أن يعيش في الحياة فضلاً أن يكون مؤهلاً لأن يجاهد.

ثم جهاد لا قتال فيه الحج، الحج الذي يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم ليس الحج الذي يحصل الآن، والذي تتنافس فيه مؤسسات الحج في تقديم وسائل الراحة، يبعد مخيمنا عن الجمرات ١٠٠ متر فقط، أو ٤٠ متر فقط، لدينا معجون أسنان، لدينا مشروبات على مدار الساعة إلى غير ذلك، ليس هذا هو الحج الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلكم جميعاً أدركتم الحج الذي فعلاً فيه المشقة والتعب والنصب، هذا الحج الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهاد لا قتال فيه، هذه صورة من الأعمال فعلاً والعبادات التي يجب أن يكون المسلم متهيئاً لها، فهذا الجهاد يجب على كل المسلمين أن يحدثوا أنفسهم به، الحج فرض على كل مسلم أن يؤديه مرة في العمر، هذا الحج الذي كان يركب فيه المسلم راحلته وكان يتعب وينصب إلى وقت قريب جداً أدركناه جميعاً، كنا نعرف أن الحج هو عنوان المشقة والتعب؛ ولهذا عندما يقال: فلان مريض فيسأل: ما به؟ يقال: قدم من الحج، لا يستغرب الناس؛ لأن الأصل أن الذي يقدم من الحج أن يصاب بالمرض أو على الأقل التعب والإرهاق.