للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحديد الأولويات]

الاقتراح الثاني: تحديد الأولويات: وهذه من أهم القضايا، فأحياناً يشعر الإنسان مثلاً أنه قرأ في هذا الوقت، أو أنه زار أخاً له في الله، أو عمل أي عمل من الأعمال، فيعتبر أنه اغتنم الوقت بشيء مفيد واستفاد من الوقت، وهذا صحيح، لكن يجب أن تضع أولويات للوقت.

وأظن أن سلف الأمة أدركوا هذا المعنى جيداً حينما قالوا: إن من مكائد الشيطان أن يشغل الإنسان بالعمل المفضول عن العمل الفاضل.

فمن اشتغل بالعمل المفضول فقد استفاد من الوقت، لكنه ما راعى الأولويات، والسلف لم يعبروا هذا التعبير، لكنهم كانوا يراعون هذا الأمر فعلاً، وكانوا يخصصون الأوقات، هذا للعبادة، وهذا للتعليم، ويرفضون أن يعتدي أحد على مثل هذه الأوقات، وكانوا يرون أن هذه أولويات في تحديد الوقت.

وفي الجملة فتنبيههم العابد إلى أن يحذر من تلبيس الشيطان عليه بإشغاله بالعمل المفضول عن العمل الفاضل لا شك أنه دليل على اعتبار هذه القاعدة الذي يعبر عنها من يكتب الآن في إدارة الوقت بتحديد الأولويات.

وهنا

السؤال

هل صحيح أن أكثر الناس انشغالاً هو أكثر الناس إنتاجاً؟ ربما نتصور ذلك، لكن ليس ذلك متحققاً بالضرورة، فقد ينشغل الإنسان كثيراً لكن طريقته في إدارة وقته وإدارة عمله غير منتجة ولا عملية، فيصبح أقل إنتاجاً.

ولنفترض مدير مؤسسة أو شركة يربط الأعمال كلها به، وتراه مشغولاً، ومكتبه مليء بالأوراق، ويحمل معه إذا ذهب إلى المنزل جزءاً كبيراً من هذه الأوراق، وحين تراه يعمل تشعر أنه مخلص، وأنه إنسان منتج، وتتصور أنه أكثر الناس إنتاجاً، فلا شك أن هذا إنسان جاد مخلص، لكن ليس بالضرورة أن يكون أكثر الناس اغتناماً للوقت، ربما تجد رجلاً آخر يجد وقت فراغ، لكنه نظم وقته بطريقة معينة، وحدد أولوياته، وصار أكثر إنتاجاً.

ولهذا رفعت الجمعية الأمريكية لتقييم المهندسين شعاراً يقولون فيه: اعمل بطريقة أذكى، لا بمشقة أكثر.

وهناك دراسات أجريت على عدد من الناس الذين يصرفون أوقاتهم في جزء من العمل، وتوصلت إلى نتيجة صارت مبدأ مشهوراً يسمونه مبدأ بارفيو يقول فيه: إن الكثير من المديرين يبذلون أربعة أخماس وقتهم في القيام بواجبات ومسئوليات تتصل بخمس ما يحققون من نتاج.

يعني: أن الكثير من هؤلاء يبذل (٨٠%) من الوقت في تحقيق (٢٠%) من النتائج، وبعبارة أخرى: أنهم لا يحسنون تحديد الأولويات في أوقاتهم.

للأسف أن هذه القضية غائبة عنا، فنحن أحوج ما نكون إلى إجراء مثل هذه الدراسات في أوقاتنا، وأظن أننا سنجد مشكلة كبيرة لو أجريت الدراسات عندنا في كيفية قضاء أوقاتنا، ربما تجد بعض طلاب العلم في العالم الإسلامي مشغولاً بأعمال يمكن أن يقوم بها غيره، أو أعمال ربما يعينه غيره عليها فيوفر عليه جزءاً كبيراً من وقته، فيتفرغ هو للاغتنام الحقيقي للوقت، وهذه الأعمال -لا شك- تشغله عن أعمال أهم منها كما سيأتي.

إذاً: لا يكفي أن نشعر أننا استفدنا من الوقت، بل يجب أن نضع لنا أولويات، فأنت مثلاً حينما تشعر أنك تقرأ في كتب التراجم ربما تجد أنك أنهيت قراءة كتاب تاريخ بغداد، أو وفيات الأعيان، أو سير أعلام النبلاء، أو غيره، وتتصور أنك وصلت إلى مستوى جيد في اغتنام الوقت، بينما كان يمكن أن تقرأ بدل هذا الكتاب تفسير البغوي، أو تفسير ابن كثير، أو تقرأ جامع الأصول.

وأظنكم توافقونني على أن الذي يصرف جزءاً كبيراً من وقته لقراءة التراجم في هذه المرحلة أن عنده مشكلة في تحديد الأولويات، لأنه أحوج إلى قراءة كتب التفسير والحديث، وقل مثل ذلك في أعمال أخرى.

المقصود أن الاستفادة من الوقت لا تعني أنك وصلت إلى القمة، بل يجب أن تراعي الأولويات.