للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اقتراح برامج للناس وطرحها]

كذلك أيضاً من الوسائل: اقتراح برامج للناس وطرحها.

فلا يكفي مثلاً أن نطالب الناس بالدعوة، وأن نطالب الناس بالمساهمة في أمور الخير، وأن نقول للناس: إنكم قادرون أن تبذلوا، وأن تصنعوا كذا وكذا، بل الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة).

فلو تأتي إلى الإبل المائة مثلاً لو توجها ستسير في الطريق، والراحلة تنتفع بها أكثر من غيرها، لكن تبقى تسع وتسعون يمكن أن ينتفع بها، وإذا وجهتها توجهت.

فالناس لا يكفي أن تقول لهم: اعملوا، اصنعوا، افعلوا كذا وكذا، ليس كل الناس قادرين على ذلك، القادرون هم طبقة معينة من الناس أو فئة من الناس الذي بمجرد أنه يستشعر المسئولية، ويدرك الأمانة هو من تلقاء نفسه فإنه يبتكر الأساليب والوسائل، فهو يدرك ماذا يصنع، هؤلاء فئة قليلة، لكن البقية ينتظرون أن يرسم لهم برنامج محدد، فمثلاً عندما يحصل منكر ونطالب الناس بتغييره ينبغي أن نرسم لهم برنامجاً واضحاً، فنقول: افعلوا كذا وكذا وكذا، ثم بعد ذلك نفتح المجال للرواحل، نفتح المجال للطاقات أن تبدع بعد ذلك فيما وراء ذلك.

وهكذا مثلاً عندما نخاطب التاجر ونطالبه أن يساهم في الدعوة، فنقول له: اصنع كذا وكذا وكذا، وعندما نخاطب الطالب، فالأستاذ مثلاً عندما يقول لطلابه، سواء طلابه في الفصل عموماً، أو الطلاب الذين هم أخص من ذلك الذين يتلقون منه التوجيه، ويثقون به، ويسمعون كل ما يقول، عندما يحثهم على الدعوة، ويشجعهم، ويثير حماستهم، فسيتحمس الجميع.

لكن ماذا بعد ذلك؟ يجب أن ننتقل إلى خطوة أخرى، فنرسم لهم برامج واضحة محددة مقنعة يستطيع هؤلاء أن يصنعوها، ونحدد لهم الخطوات، ونرسم لهم البرامج، فحينئذٍ تجزم أن هؤلاء سيصنعون شيئاً.

وأضرب لكم مثالاً: لو جاء أستاذ وتحدث مع الطلاب عموماً عن ضرورة الدعوة، والحاجة إليها، ولا تحتقرون أنفسكم، وافعلوا وافعلوا، فسينصرف الجميع وهو يحمل في نفسه قناعة، ويحمل في نفسه شعور وتوجه نحو الدعوة، لكن لا يدري بعد ذلك ماذا يصنع، بدليل مثلاً أنك تجد الأسئلة بعد ذلك: ماذا أصنع؟ وماذا علي؟ عرفت أن الدعوة مهمة فماذا أصنع؟ وما الحل لهذه المشكلة؟ لكن لو قال مثلاً لهم: من الحلول مثلاً أن تصنعوا كذا وكذا، والفصل فيه مثلاً ثلاثون طالباً، وفيه خمسة من الشباب الأخيار، لو يجتمع كل واحد منهم مثلاً ويدفع شهرياً مثلاً عشرين ريالاً فقط، فسيكون عندنا مائة ريال، وعندنا ثلاثون طالباً إذا نسخنا شريطاً بثلاثة ريالات فسنستطيع أن نعطي جميع طلاب الفصل نسخة من هذا الشريط.

فأنا أجزم أن الأستاذ عندما يقترح مثل هذا البرنامج على الطلاب فإنه سيجد منهم المبادرة إلى تنفيذه، لكن لو كان يحدثهم عن الدعوة عموماً، وعن مجالات الدعوة الواسعة فقد لا يهتدوا إلى مثل هذه الفكرة أو تلك.

فأقول يا إخوة: لا يكفي فقط أن ندعو الناس إلى الدعوة، ولا يكفي أيضاً أن نتهم الناس بالتقصير: أنتم مقصرون في الدعوة، وما عندكم غيرة، وما عندكم اهتمام، وقائمة من التهم التي نصف بها هؤلاء الناس، والمشكلة أننا لا نوجه هذا الكلام إلا إلى الناس الخيرين الذين يسمعون لنا.

فأنا مثلاً عندما أتحدث وأقول: أنتم مقصرون في الدعوة، وأنتم ما عندكم غيرة، وما عندكم حمية، من يسمع لي؟ يسمع لي الناس الأخيار، يسمع لي رواد الصحوة، فما يكفي هذا الأسلوب، ولا شك أن بيان الأخطاء مطلوب، لكن بأسلوب، لكن خير من ذلك كله أن أرسم البرامج للناس يسيرون وراءها.

الأسلوب الآخر: مثل هذا الأسلوب لكنه نقلة أخرى، وهو أن نقوم بإشراك هؤلاء في برامج عملية، يعني: نحن ننظم البرامج، ونجعل هؤلاء يشاركون فيها، فمثلاً بدلاً من أن أقوم أنا بالعبء لوحدي، أو يقوم بالعبء مثلاً خمسة من الشباب الذين يمكن أن يعملوا أعمالاً أخرى، ويستغلوا ميادين أخرى، ممكن يقوم واحد من هؤلاء الشباب ويستغل عشرة من الطاقات المعطلة، وسيجد فئة كبيرة من طبقات المجتمع عندها استعداد أن تتعاون معه.

فيرسم البرنامج، ويقوم هو بنفسه على هذا البرنامج، فيقوم الجميع وراءه، ويسيرون معه، فنستطيع هنا أن نشغل هذه الطاقات، ونستطيع أن نشعر الناس أنهم قادرون على أن يعملوا، ونستطيع أن نوفر أوقات نحتاج إليها عندما تكون كل الأعمال والأعباء علينا.

وانظروا مثلاً إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء قوم من مضر عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، مجتابي النمار، فرقّ النبي صلى الله عليه وسلم لحالهم، فدخل وخرج، وتغير وجهه، فصعد المنبر وقال: (تصدق رجل من بره، تصدق رجل من درهمه، من ديناره)، فما تصدق أحد، حتى جاء رجل من الأنصار معه صرة كادت يده أن تعجز عنها، بل قد عجزت عنها، فألقاها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فتتابع الناس.

يقول الراوي: حتى رأيت كومين من طعام وثياب عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

فالنبي