للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج من ورع السلف]

ونسوق الآن نماذج من الورع، ولا شك أن أولى النماذج ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الحديث المشهور في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: (وجد تمرة في الطريق فقال: لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها).

معناه أنها تمرة في الطريق فهناك احتمال بعيد أن تكون من تمر الصدقة.

وتضور صلى الله عليه وسلم ليلة فقيل له في ذلك فقال: (إني وجدت تمرة مسقوطة فأكلتها فأخشى أن تكون من تمر الصدقة).

وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مشهورة ترويها عائشة رضي الله عنها حين كان له غلام يأتيه بالخراج، فكان يسأله عن الطعام الذي يأتي به فلم يسأله ذات يوم فقال: ما بالك لم تسألني؟ فسأله فأخبره أنه كان تكهن في الجاهلية ولم يحسن الكهانة فجاء وتقاضى هذا فتقيأ أبو بكر رضي الله عنه ما في بطنه، مع أن هذا الأمر لا يلزمه، والطعام ليس حراماً لأنه أكله وهو لم يعلم بتحريمه وهو معذور كل العذر في ذلك، لكن هذا من ورعه رضي الله عنه.

ومر عبادة بن الصامت رضي الله عنه بقرية دمر فأمر غلاماً أن يقطع له سواكاً من صفصاف على نهر بردى، فمضى ليفعل ثم قال له: ارجع، فإنه إلا يكن بثمن فإنه ييبس فيعود حطباً بثمن.

ونسوق بعض النقول عن السلف في الورع مع ملاحظة ومراعاة أن النقول عن آحاد السلف ليست حجة، فقد يتحفظ على بعض ما ينقل، لكن هذا الورع في الجملة مطلوب، وهذه النقول في الجملة تعطينا صورة عن حال السلف، لكن لا يعني أن كل ما يفعله آحاد السلف فهو حجة وأمر مطلوب من الناس، مع مراعاة القاعدة التي أشرنا إليها قبل قليل.

كهمس سقط منه دينار ففتش عنه فلقيه ثم لم يأخذه قال: لعله غيره، لعله غير الدينار الذي سقط مني.

ويروي الحسن بن عرفة عن ابن المبارك قال: استعرت قلماً بأرض الشام على أن أرده فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه.

وكان لـ علي بن الفضيل بن عياض -والفضيل بن عياض من الورعين الزهاد وابنه علي كذلك من الورعين وكان توفي رحمه الله في حياة والده، وكان والده يتحدث عن ورعه وزهده- كان له شاة أكلت شيئاً يسيراً من علف أمير فما شرب لها لبناً بعده.

وسقط من عقدة دنانير فجاء بنخال ليطلبها فقال عقدة: فوجدتها ثم فكرت فقلت: ليس في الدنيا غير دنانيري! فقلت للنخال: هي في ذمتك، وذهبت وتركته.

وروى ابن أبي الدنيا في الورع أن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يدها من العجين وقالت: هذا طعامٌ قد صار لنا فيه شريك.

لأن هذا الطعام قد صار للورثة.

وأخرى أتاها نعي زوجها والسراج يتقد، فأطفأت السراج وقالت: هذا زيت قد صار لنا فيه شريك.

هذه بعض النماذج من مواقف السلف والأمثلة على ذلك كثيرة، وحين تقرأ في أي كتاب من كتب التراجم لا تخطئك مثل هذه المواقف وغيرها عن سلف الأمة رضوان الله عليهم.