للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انتشار الفساد وغربة الدين]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد: تسيطر على حياة كثير من المسلمين اليوم سحابة قاتمة من اليأس، ويشعر طائفة منهم أن الواقع الذي يعيشونه اليوم واقع لا مناص لهم منه ولا خلاص، سواء كان هذا الأمر على مستوى الأفراد، أو على المستوى الأمة والمجتمعات، فكثير من المسلمين يشعر أن واقعه لا يمكن أن يتفق مع ما يقتنع به، وما يرى أنه يجب أن يكون عليه، ويصل به الأمر إلى اليأس من تغيير هذا الواقع الذي يعيشه.

إنك حين تدعوه وتناصحه يخبرك أنه يعلم علم اليقين أن هذا الواقع الذي يعيشه لا يرضي الله تعالى، يعلم علم اليقين أنه على خطأ، لكن قد سيطر عليه اليأس من تغيير واقعه، إنه يقول لك بلسان حاله وربما بلسان مقاله: إنني أعرف أن الحق خلاف ما أنا عليه، لكنني لا أستطع أن أغير ما أنا عليه.

والأمر يتجاوز ذلك إلى واقع الأمة وواقع المجتمع، واليوم لست بحاجة إلى أن تقنع أحداً من المسلمين بسوء واقع الأمة وسوء حالها، لكن هذا قد أدى بطائفة من المصلحين، بل طائفة من الغيورين الصادقين إلى أن سيطر عليهم اليأس، وأدركهم القنوط، وشعروا أن الأمر قد خرج عن طوقهم وإرادتهم.

وهذا اليأس الذي سيطر على كثير من المسلمين اليوم أدت إليه عوامل عدة: أول هذه العوامل: انتشار الفساد وغربة الدين: من يتأمل واقع مجتمعات المسلمين اليوم يجد أن مظاهر الفساد قد انتشرت في حياة المسلمين، فالمنكرات الظاهرة أصبحت معلماً بارزاً وظاهراً في بلاد المسلمين، بل أصبح إنكارها تدخلاً في شئون الآخرين، وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً في مجالات وجوانب كثيرة من حياة المسلمين، بل إن بعض المسلمين يستنكر ويستنكف ويعترض عليك حين تنكر عليه مخالفته لما شرع الله عز وجل، وامتد الأمر إلى المراجعة والمناقشة في مدى شرعية هذه الأمور، وبدأ الناس يعيدون قراءتهم للأحكام الشرعية والنصوص الشرعية؛ لأجل أن يشعروا أو يقنعوا أنفسهم أن هذا الواقع الذي يعيشونه واقع شرعي.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال هذا الدين بقوله: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء).

انتشار هذا الفساد، واستمرار المنكرات، وظهورها في مجتمعات المسلمين وحياتهم أدت بفئة كثيرة من المسلمين إلى اليأس من تغير الأحوال، والشعور بأن هذا الفساد أصبح جزءاً لا يتجزأ من واقع المسلمين وحياتهم.