للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفهم الخاطئ للأحداث]

الأمر الرابع: اليأس يولد نفسية تفهم الأحداث فهماً خاطئاً، ويؤثر على تفكير صاحبه، فتراه يفترض مخاطر لم تقع أصلاً، ويتوهم أموراً لم تقع، وتتحول الأوهام عنده إلى حقائق، وتصبح الأحلام واقعاً ملموساً لدى هؤلاء، هذا على مستوى ما لم يقع.

أما على مستوى الأحداث التي تقع فهو يفهمها فهماً آخر يتفق مع نفسيته اليائسة التي سيطر عليها الوهن، تسيطر عليه دائماً النظرة التآمرية، يشعر أن هذه الأحداث مؤامرة، وأنها مؤامرة ضخمة، وأنها قد حيكت خيوطها، ودبرت بليل.

فكل حدث يتوقع ما لم يحدث، والحدث الذي يحصل ولو كان حدثاً عفوياً يفهمه بصورة تتفق مع طريقة تفكيره، لأن الإنسان في طريقة نظرته للأحداث لا يمكن أن يتخلص من طريقة تفكيره، لا ينظر إلى الأحداث كما هي، لا ينظر إليها نظرة موضوعية، أو نظرة محايدة، إنما ينظر إليها من خلال نفسيته وطريقة تفكيره، فالإنسان اليائس ينظر إليها نظرة يائس، والإنسان المتفائل ينظر إليها بروح التفاؤل، الإنسان سيئ الظن ينظر إليها بنظرة الريبة، والإنسان حسن الظن ينظر إليها بنظرة أخرى.

يندر أن ينظر الإنسان وأن يتعامل مع الأحداث تعاملاً موضوعياً، وأن يتعامل معها كما هي، فاليائس يتخيل ما لم يحدث، والأحداث يفهمها على خلاف ما هي عليه، يبالغ في تصور المؤامرات، حتى تجد أنه يخرج لك بنتائج لا تتفق مع مستوى عقله وتفكيره.

قبل أيام سمعت حديثاً من شخص درس في بلاد الغرب، يقول لي: إن الإنترنت كلها مؤامرة للتجسس على المسلمين، وكلها مؤامرة للدخول على خصوصيات المسلمين.

فانظر هذا المستوى من التفكير، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يعملوا، ولو عملوا عملوا بروح الفشل والهزيمة، والشعور بأن كل صيحة يمكن أن تدور عليهم وتصبح عليهم.

الأمر الخامس: أن هؤلاء اليائسين يفهمون الأحداث المبشرة فهماً يتفق مع نفسيتهم، فهو يشكك في صحة الأخبار السارة، فعندما يأتي خبر سار يشكك في صحته، أو يهون من شأنه.

إنك مثلاً حين تحدثه عن الصحوة وانتشارها، فإنك تراه يهون من شأنها، ويقول لك: إن هذه الظاهرة محدودة وضعيفة وهزيلة وفيها أمراض، فهي من حيث الحجم أقل مما تصورون، ثم هي من حيث الكيف ومن حيث المحتوى ضعيفة وضئيلة، وأقل من أن تواجه وو إلى آخره.

بل حينما تحصل مثلاً أخبار سارة تجد أنه يبحث لها عن تفسير يتفق مع طريقة تفكيره، فيشكك في الدوافع التي كانت وراء هذه الأحداث، تارة يتصور أن هذا استدراج من العدو حينما يعطي مثل هذه الفرص، ويقول: إن هذه مؤامرة يراد من خلالها الانقضاض أو كشف صفوف الأخيار إلى آخره.

المهم أن هذه الروح تسيطر على أمثال هؤلاء، تسيطر عليهم فيما لم يقع من الأحداث، فيتوهمون ما لم يقع، تسيطر عليهم في الأحداث السيئة فيبعدون في تفسيرها، ويبالغون في تضخيمها.

أيضاً اليائس في تقويمه ينظر في المشروعات والأعمال إلى السلبيات فقط، ويضخم السلبيات والأخطاء، وفي المقابل يتغاضى عن الإيجابيات والمشاكل، حين يقيِّم أي ظاهرة تجد أن نظره دائماً يتجه نحو السلبيات والأخطاء، والجهد البشري لا يمكن أن يسلم من الخطأ أبداً، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، فـ (كل بني آدم خطاء) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والمرء لابد أن يذنب، ولابد أن يقصر، والقصور صفة ملازمة للبشر أياً كانوا.

وهذا لابد أن يظهر أثره على مستوى المشروعات العامة، لأنها نتاج أعمال البشر، ونتاج تفكير البشر، ولهذا هي لا تسلم من أخطاء وقصور وضعف البشر.

المجتمعات أيضاً حينما تحللها إلى وحداتها الأولية فهي مجموعة الأفراد الذين يبقى القصور والضعف أمراً ملازماً لهم، ولهذا فأي عمل بشري لا يخلو من قصور، ولا يخلو من الضعف، وتأمل هذا في واقعك أنت وحياتك حينما تقوم بمشروع ثم تنهيه، وعندما تعود إليه بعد فترة ستجد أنك وقعت في أخطاء، فأنت حينما تكتب مقالة أو كلمة أو تكتب كتاباً أو تلقي كلمة، وتعود مرة أخرى فتقرأ ما كتبت، أو تستمع إلى ما تحدثت عنه، ستجد فيه أخطاء، ستجد فيه قصوراً، ستجد أنك لو عدت من جديد لتكتب أو لتنفذ هذا المشروع، فإنك ستنفذه بصورة غير تلك التي قمت بها، وهذا من شأن البشر، وهو أمر ملازم لهم.

إذاً: فأي عمل بشري وأي جهد بشري لابد أن يكون فيه قصور، ولابد أن يكون فيه سلبيات، واليائس ينظر إلى هذا الجانب المظلم السلبيات ويضخمها، ويتغاضى عن الإيجابيات ويهون من شأنها ويقلل من شأنها.

إذاً: أيها الإخوة! سيطرة اليأس تخرج لنا في النهاية أفراد محبطين غير عاملين، أفراداً لا يمكن أن يصنعوا شيئاً، وحين يسيطر على المجتمع فإن المجتمع سيستلم ولن يسعى للتغيير، وإذا لم يقتنع الأفراد بأنهم يستطيعون أن يغيروا واقعهم، وإذا لم تقتنع المجتمعات بأنها تستطيع أن تغير واقعها، فإن التغيير الذي نريده وننتظره لا يمكن أن يحصل.