للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النظر في النصوص التي تبشر بتمكين الدين]

أيضاً مما يزيل اليأس من النفوس النظر في النصوص الشرعية التي تدل على تمكين الدين وانتصار الإسلام، ومنها ما جاء في كتاب الله عز وجل من وعد الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧]، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:١٤]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥].

فهذا وعد من الله تبارك وتعالى لابد أن يتحقق، والذين في قلوبهم مرض أو الذين يسيطر عليهم ضغط الواقع قد تغيب عنهم هذه الحقائق من وعد الله تبارك وتعالى وما أخبر به عز وجل، فالله تبارك وتعالى قد وعد بني إسرائيل، وحقق لهم ما وعد تبارك وتعالى، يقول عز وجل: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص:٤]، ثم قال تبارك وتعالى في الآية التي تليها: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:٥ - ٦].

وانظر كيف صارت الأحداث، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:٧]، بدأ الأمر من هنا منذ أن ولد هذا الرضيع الذي سيحطم الله عز وجل على يديه عرش فرعون، وسيمكن على يديه لبني إسرائيل، ولم تذكر قصة موسى بهذا التفصيل في مرحلة ما قبل الرسالة أكثر مما ذكرت في هذه السورة؛ لأنها تتحدث عن قضية التمكين وطغيان فرعون وعلوه.

ثم بعد ذلك ختمت هذه السورة بطغيان قارون وعلوه، ثم كيف أهلكه الله عز وجل، ومكن لبني إسرائيل.

إذاً: فقد وعد الله تبارك وتعالى بني إسرائيل هذا الوعد، ومتى كان هذا الوعد؟ هذه الآية أتت بعد وصف الله عز وجل لحال طغيان فرعون: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٤].

هذا الواقع لا يوصف وصفاً مبالغاً فيه، إنه كلام الله تبارك وتعالى {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:٤٢]، ثم يأتي هذا الوعد ويتحقق.

إذاً: الوعد الذي تحقق لبني إسرائيل في ظل ذاك الواقع المظلم البائس، لابد أن يتحقق لهذه الأمة، وهذه الأمة قد اصطفاها الله عز وجل، فهي أبر وأتقى وخير من بني إسرائيل، وأعلى منزلة عند الله تبارك وتعالى، وهي خير الأمم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

في نصوص السنة أيضاً نجد شواهد كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب).

وأيضاً ما في المسند من حديث تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر)، وكان تميم يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية.

في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يكون بيت في الأرض إلا ودخله هذا الدين، ولن يكون هناك مكان يصله الليل والنهار إلا وسيصله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل.

والنصوص التي يخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن النصر والتمكين نصوص كثيرة ليس هذا مقام الإفاضة في الحديث عنها، لكن الشاهد -كما قلت- أن إدراك هذه النصوص مما يزيل اليأس.