للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضخامة الدور المنوط بالصحوة]

الجانب الثاني أو المسوغ الثاني من مسوغات مطالبتنا بالتربية: ضخامة الدور المنوط بالصحوة: إن إعداد الشاب المسلم أبعد من مجرد تخريج فرد ملتزم بالإسلام بحد ذاته، إننا حينما نعد الشاب فإننا نعد الصف الأول على مستوى الأمة الذي يطلب منه أن يساهم في إنقاذ الأمة، وأن يساهم في إعادة صياغة مجتمعات المسلمين، وأن يساهم في إعادة بناء مجتمعات الأمة، وهو هدف ضخم وبعيد لا يمكن أبداً أن يقوم إلا من خلال تربية، وإعداد متكامل، لا يمكن أن يقوم به مجرد شخص يحمل عواطف جياشة، وحماسة ثائرة.

إن ذاك التفكير الذي كنا نفكر به سابقاً، وتلك النظرية التي كنا نطرحها أحياناً كنوع من التخدير، والتي تعني أن القضية ببساطة أن يصلح الفرد، وتصلح الأسرة، ويصلح المجتمع، وتصلح الأمة، إنه تفكير ساذج، وتفكير غير واقعي، ولماذا لا تتحول النظرة إلى أسلوب آخر، إننا حين نفكر بهذه العقلية نحتاج إلى مدى وإلى قرون متطاولة؛ لأنك أنت تعمل وتملك وسائل محدودة في حين إن تيارات الفساد تملك وسائل وأبواب لا تملك أنت واحداً، أو جهدك ووسائلك ومجالاتك لا توازي واحداً فقط من تلك الأبواب التي يملكها دعاة الفساد وأهل الفساد.

فماذا تصنع مع هذا الزخم الهائل؟ إذاً: لماذا لا نفكر بعقلية أخرى؟! ولماذا لا يكون هدفنا هدفاً آخر؟! لا أن نعد مجرد الفرد الملتزم بالإسلام، بل نعد الفرد العامل للإسلام، نعد الفرد الذي يرى أنه ينبغي أن يصلح، فبدلاً من أن نعد فرداً يتخلى عن تقصيره وإهماله ومعصيته، ويقتصر على التزامه الشخصي، ينبغي أن يتحول هدفنا إلى أن نعد فرداً يدعو إلى الله عز وجل، أن نعد فرداً عاملاً، فرداً مصلحاً يساهم معنا في دفع العجلة، وأن الجهد المنوط بالدعوة والصحوة جهد ضخم، لا يمكن أبداً أن يقتصر على فئة من الناس وفئة من البشر.

مع عدم إهمالنا للإصلاح المجرد، لا شك أن إنقاذ مسلم واحد من الضلال والانحراف يعتبر إنجازاً، ويعتبر هدفاً بحد ذاته، وأنت ترى النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى عمه أبي طالب وهو عند الموت، فيدعوه إلى الإسلام ويلح، وماذا سيحصل الإسلام وتحصل الأمة من إسلام أبي طالب مثلاً في تلك اللحظة، إنه رجل على فراش الموت، ولكن إنقاذ فرد من النار يعتبر مكسباً وهدفاً.

جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاب يهودي يحتضر فعاده صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الإسلام وأسلم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).

لا شك -كما قلت- أن إنقاذ الفرد المسلم أياً كان من النار، بل إنقاذه من معصية واحدة عمل وإنجاز، ولكن ينبغي ألا يكون هذا هو الهدف الوحيد، وأن نتجاوزه إلى هدف أبعد مدى، فبدلاً من أن يكون الهدف مجرد تخريج إنسان ملتزم بالإسلام بسلوكياته وأخلاقه أن نهدف إلى أن نخرج رجلاً عاملاً للإسلام، داعياً إلى الله سبحانه وتعالى، أن نخرج الصف الأول الذي يقود الأمة.