للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء الظن]

السبب الثاني: سوء الظن: صاحبنا الأول يقصد النقد، ويسعى إلى النقد، ويهدف إلى النقد، ويهدف إلى سوء الفهم، لكن صاحبنا الآخر قد لا يكون كذلك، لكنه إنسان سيئ الظن، ولهذا سيسيء الفهم.

فبعض الناس الحساسين يقول زميله كلمة، فيقول: يقصد كذا وكذا، يريد كذا، ويحلل الكلمة ألف تحليل، فيسيء الفهم.

والله عز وجل ينهانا ويأمرنا باجتناب الكثير من الظن؛ حتى لا نقع في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢]، فليس كل الظن إثماً، وإنما بعض الظن إثم، لكن يجب أن نجتنب كثيراً من الظن حتى لا نقع في هذا البعض من الظن الذي هو الإثم.

فعندما يسيء الإنسان الظن في شخص فلابد أن يسيء الفهم تلقائياً.

أنا أذكر شخصاً حساساً كان يناقشني في مشكلة، فقلت له: أسألك سؤالاً هل تعرف أنك حساس؟ قال: لا، لكن أنا عندي ظن وظن وظن وظن، فصارت يقيناً، قلت: عندك وهم ووهم ووهم ووهم فصارت يقيناً، والقضية كلها أوهام.

وتأتي إلى صاحبك فتقول له: أنت تسيء الظن، يقول لك: لا، فلا أحد يعترف أنه يسيء الظن أبداً، يقول لك: لا، هذا أصلاً إنسان سيئ.

فلماذا دائماً نحمل الكلمة على المحمل السيئ؟ ولماذا نحمل مقاصد الناس على المحمل السيئ؟ وأعمال الناس على المحمل السيئ.

إن المنطق العقلي البحت، ومنطق العدل المجرد مع الناس، يجعلني أتجرد من كل هذه القضايا، وأنظر إلى الكلام مجرداً عن كل الأوهام والتحليلات التي عندي، ثم أحاكم هذا الكلام إلى ما يقوله هو في مناسبة أخرى، وإلى أعماله الأخرى، فسأصل إلى نتيجة سليمة قطعاً.

أما عندما يكون عندي صورة متخيلة في الذهن عن فلان أنه يقصد كذا ويريد كذا، فلا بد أن أصل إلى هذه النتيجة السيئة، ولهذا كان الظن أكذب الحديث، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث).

كيف يكون الظن أكذب الحديث؟ يكون الظن أكذب الحديث لأنك تتوهم أن هذا صدق لا شك فيه ولا نقاش، وهو كذب، ويتجاوز الكذب إلى إخبار عن النوايا، فصار أكذب الحديث فعلاً.