للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم الخالي عن الإخلاص لله]

من أول مجالات العلم الذي لا ينفع: العلم الذي لا يُخلص فيه العبد لله عز وجل: حينما لا يخلص النية لله تبارك وتعالى فإنه سيفقد نفع هذا العلم، وهذا الأمر واضح بأن العلم عبادة شرعية يتعبد بها الإنسان لله تبارك وتعالى، والعبادات لا يثاب عليها الإنسان ولا تحمد إلا حين يبتغي بها وجه الله عز وجل، بل حقيقة العبادة أصلاً هي التقرب إلى الله وابتغاء وجه الله عز وجل، هذه العبادة أن يتقرب الإنسان إلى الله في أي عمل، سواء كان عملاً قلبياً، أو بلسانه، أو بجوارحه العمل الخالص الذي يرضى الله تبارك وتعالى أن يتقرب العبد به إليه، فإذا كان هذا الإنسان لا يخلص فمعناه أنه لا يتقرب إلى الله قط، فقد بطل أصلاً مقصود العبادة.

والله تبارك وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك، فهو القائل عز وجل: (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) كما حدثنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

بل قد نص النبي صلى الله عليه وسلم على وعيد لأولئك الذين يفتقدون الإخلاص في طلبهم للعلم، فمن تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة، فمن تعلم العلم الشرعي لغير الله فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد، وهو ألا يجد ريح الجنة عافانا الله وإياكم.

إذاً: فهذا الرجل الذي لم يخلص النية في طلب العلم متوعد على تعلمه، بل هو يوم القيامة من أول من تسعر بهم النار، كما أخبر صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: (قارئ تعلم العلم فيأتي به الله عز وجل فيعرّفه نعمه فيعرفها فيقول: ما عملت؟ قال: تعلمت وقرأت، فيقال: كذبت تعلمت ليقال عالم وقرأت ليقال قارئ، ثم يؤمر به فيسحب إلى النار) عافانا الله وإياكم.

إن الله عز وجل قد أعطاه نعمة؛ ولهذا عرّفه بهذه النعمة فعرفها وتعرّف عليها وأدركها لكنه تعلم ليقال عالم، وقرأ ليقال قارئ، ولهذا صار من أول من تسعر بهم النار، ولا شك أن هذا أعظم فوات لنفع العلم؛ لأن أهم مطلوب وأعلى مطلوب الإنسان في حياته هو نجاته من هذه النار.

ولهذا نحن أحوج ما نكون إلى استحضار النية والإخلاص في أي وسيلة، أي باب، أي طريق من طرق العلم، واستحضار النية يجعل الإنسان يشعر أن عمله عبادة.

يخرج من أول النهار، ويذهب إلى المدرسة أو إلى الجامعة، ويبقى فيها إلى ما بعد صلاة الظهر ثم يعود، وقد يبذل جهداً خارقاً وقت الدراسة لمتابعة بعض التكاليف، هذا الإنسان حينما تكون نيته خالصة لله عز وجل يكون هذا الوقت والجهد الذي صرفه عبادة لله تبارك وتعالى، فيثاب عليه عند الله عز وجل لأنه قد صرفه لله تبارك وتعالى، وقل مثل ذلك في سائر أبواب وطرق تحصيل العلم الأخرى.

ثم أيضاً تحقق الإخلاص أمان بإذن الله وضمانة من الانحراف والزيغ إلى مقاصد أخرى، فإن طالب العلم كلما تذكر أنه يطلب العلم لله عز وجل، ويتعلم العلم لله تبارك وتعالى، دعاه ذلك إلى أن يراجع نفسه ويتفاءل دائماً؛ لأن طالب العلم عرضة للهوى، وعرضة للانحراف، وعرضة لأن يكون العلم نفسه سبباً في انحرافه وضلاله كما سيأتي في بعض أنواع العلم الذي لا ينفع.

يمكن أن أضيف هنا نقطة مهمة حول قضية الإخلاص، وهي أن هذا الأمر واضح بالنسبة لمن يتعلم العلوم الشرعية، لكن من يتعلم علوماً غير شرعية، أي لا تتعلق بأحكام الشرع، وليس مصدرها النقل، إنما هي من علوم الناس في دنياهم، كمن يدرس الطب أو الهندسة أو الإدارة، فهذا أيضاً يصدق عليه هذا الأمر، ولكن كيف يخلص نيته؟ حينما يكون قصده أن ينفع المسلمين بما يتعلم، وأن يسد ثغرة يحتاجها المسلمون، فحينما يكون فعلاً صادق النية، يثاب على ذلك، أي أن القضية ليست قضية وجاهة اجتماعية، فإن بعض العلوم تعطي الإنسان وجاهة اجتماعية وقيمة اجتماعية، فهو يتعلم لأجل الوصول إلى هذه القيمة الاجتماعية، أو إلى النفع المادي، ثم إذا دار بينك وبينه حديث قال: إنك لم تنفع المسلمين، صحيح لكن أنت هل أنت تتعلم هذا الأمر لتنفع به المسلمين أو لا؟ فحينما يكون قصد المسلم في تعلم هذه العلوم أن ينفع المسلمين، وأن تتخلص الأمة من الاعتماد على أعدائها، فلا شك أن هذا الأمر الذي يقوم به عبادة لله تبارك وتعالى، أليس قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم والإصلاح بينهم في أمور دنياهم أمراً مطلوباً؟ فحينما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أعمال الخير قال: (يصبح على كل سلامى من الناس صدقة) أي أن كل عضو ينبغي أن يقوم الإنسان بحقه ونعمته فيتصدق، فقيل له: (ليس كلنا يجد ما يتصدق به، قال: كل تسبيحة صدقة) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وتعين الرجل على دابته تحمله أو ترفع له عليها متاعه صدق).

إذاً: أنت إذا وجدت إنساناً تعثّر في الطريق ووقفت وساعدته، فعملك هذا صدقة، فلو أن إنساناً اخترع آلة وطورها للمسلمين وتنفعهم في ذلك، فلا شك أن هذا الأمر صدقة.

وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، الآن حينما تقود السيارة وتنزل وتزيل الأذ