للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهداية بداية حياة جديدة]

الجانب الثالث: هذه المرحلة بداية حياة جديدة: صحيح أنك عدت إلى الطريق، لكنك عدت بعد أن تشعبت بك الطرق والوديان، ومن ثم ستبدأ حياة جديدة بكل ما تعنيه هذه الحياة، فتجد الشاب تغير عندما هداه الله سبحانه وتعالى، وأول ما تبدو مظاهر التغير في مظهره، فأزال المخالفات التي كانت موجودة عليه في المظهر، ولهذا عندما ترى مظهر الإنسان تأخذ انطباعاً معيناً عن هذا الشخص.

ثم الأمور والمظاهر العامة في عبادته وفي قضاياه أصبح القريب والبعيد من حوله يعرف أن فلاناً هداه الله سبحانه وتعالى وأنه قد تغير.

هذا صحيح، لكن يجب ألا نقف عند هذا الحد، وأن نتصور أنها نقلة بعيدة، وإذا أحسست أنك ما انتقلت إلى هذه النقلة فلابد أن تعيد حساباتك مرة أخرى، فقد تبقى عندك بقايا، فيجب أن تبدأ حياة جديدة، أولاً: في المظهر، وهذه قضية واضحة، والدليل على هذا أنك مجرد أن ترى الإنسان يمكن أن تأخذ تصوراً عنه، تقول: هذا فلان مستقيم أو هذا فلان لا أرتاح له من خلال المظهر، صحيح أن المظهر ليس كل شيء، لكنه يعطي دلالة واضحة نلمسها جميعاً، ونجدها في أنفسنا ضرورة.

لكن أيضاً مع ذلك هناك تغيرات يجب أن تحصل لديك، وإذا لم تحصل لابد أن تعيد النظر فيها: فأولاً: يجب أن تتغير اهتماماتك، فأنت في السابق مثلاً كنت إنساناً ساذجاً، تعيش اهتمامات تافهة، فأهم قضية عندك قضية الكرة والرياضة، قضايا تافهة إذا تطورت في الأمر صارت قضايا دنيوية بحتة، يعني: إذا صرت جاداً إلى آخر حد تكون أهم شيء عندك دراستك، أن تنجح وتتفوق وتتخرج، هذه هي قضية القضايا عندك، وهي كل شيء، وهي التي تسيطر على تفكيرك.

وقد تكون الاهتمامات بجوانب هي مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، فقد تكون تسيطر عليك الشهوة، وقد يسيطر عليك أمر محرم فصار هو بؤرة اهتماماتك.

المهم: أياً كانت اهتماماتك ستبقى في محيط تافه، أما الآن فلا، فعندما هداك الله يجب أن تتغير اهتماماتك، وتفكيرك وخواطرك، فلا يليق بك الآن أن تهتم بالرياضة واللهو واللعب، صحيح أنك ستستمر في ممارسة هذه الأمور باعتبار أنها قضايا ليس فيها محذور شرعي، وقضايا لا يستغني عنها الشاب في مجال للترويح، لكن هناك فرق بين من يمارس ذلك، ومن تشكل هذه القضية في ذهنه قضية أساسية، فيمكن أن تجد اثنين من الشباب هذا الشاب رقم (أ) يمارس الرياضة بنسبة كبيرة، والآخر يمارسها بنسبة أقل، لكنك تجد الشخص الآخر قد استولت عليه، وصارت هي تفكيره.

وكما يقال: من كانت الدنيا في قلبه، ومن كانت الدنيا في يده، فقد تجد صعلوك ومع ذلك الدنيا هي عنده كل شيء، وهي حساباته، وقد تجد إنساناً قد وسع الله عليه، ومع ذلك الدنيا لا تساوي عنده شيء.

إذاً: فيجب أن تتغير اهتماماتك، وتصوراتك للحياة وتصوراتك للناس، ومقاييسك للناس، فأنت كنت في السابق تقيس الناس بمقاييس معينة وموازين معينة، يجب أن تكون الصورة تختلف، فأنت في السابق مثلاً كنت ترى شاباً يمر عليك وأنت واقف عند البيت فأخذت نظرة معينة عنه وصورة معينة تنظر إليه من خلالها، أو تراه في الفصل عندك، أو في المدرسة، وقد تكون هذه النظرة هذه سيئة مربوطة بالخطيئة، وتتحكم أحياناً في هذه القضية بنظراتك للناس، وقياسك لهم، لكنك الآن، أصبحت لك نظرة أخرى، وقياس آخر لهذا الإنسان.

في السابق كنت ترتاح لفلان من الناس؛ لأنه إنسان طريف، وإنسان واسع الصدر، عنده طرافة وعنده متعة الحديث، أما الآن فأصبحت تحب في الله وتبغض في الله، وأصبح المعيار الذي يجعلك تختار فلاناً وتجلس معه وتتخذه خلاً لك وصديقاً مصافياً هو طاعة لله سبحانه وتعالى، وعبادته لله عز وجل، وتقواه لله سبحانه وتعالى، والمعيار الذي يجعلك تضع على فلان علامة استفهام هو كون فلان عاصياً لله سبحانه وتعالى.

إذاً: تغيرت مقاييسك التي من خلالها تحكم على الناس وتتعامل معهم على أساسها.

أيضاً من التغيرات: تغيرك في النظرة إلى وقتك، فأنت مثلاً في السابق كنت تعتبر أن هذا وقت فراغ تريد أن تتخلص منه بأي صورة، وتريد أن تعطل وقت الفراغ الذي عندك في أي مجال، في محاضرة أمس أرسل لي أحد الشباب سؤالاً، وكانت المحاضرة عن الاهتمامات، فيقول: كيف تطلب منا هذا الأمر ونحن الآن نعيش في عطلة وفراغ، ونعاني من فراغ، فلابد لنا من الانشغال بالرياضة والانشغال بمثل هذه القضايا التي تراها اهتمامات غير لائقة بنا.

أنا أقول: يجب أن تصبح لك نظرة أخرى للوقت، فالرجل الجاد يبحث عن فراغ، ولا يشتكي من فراغ! ففي السابق كنت تقول هذه اللغة التي يقولها: كيف تطالبني ألا أتابع الرياضة، أو لا أتابع القضايا التي تسميها قضايا تافهة، وأنا أشتكي من الفراغ، وأعاني من الفراغ خاصة في هذه الإجازة، فلابد لي من مثل هذه الأساليب.

بينما الآن، أصبحت تفكر تفكيراً آخر، تقول: أنا أبحث عن الفراغ لأحفظ كلام الله عز وجل، أبحث عن الفراغ لأعبد الله سبحانه وتعالى، أبحث عن الفراغ لأستغل وقتي في بناء نفسي علمياً، وبناء نفسي تربوياً.

المهم أن أستغل هذا الفراغ في طاعة الله عز وجل، وأعتبر أن أثمن ما أملكه في