للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحذر من الضلالة بعد الهدى]

سادساً: كن على حذر من الضلالة بعد الهدى، والحور بعد الكور -التي أشرنا إليها قبل قليل-: وهي نقطة يجب أن تكون هاجساً للجميع، فدائماً يسأل الله سبحانه وتعالى الثبات، ودائماً يخشى من هذه القضية، ويخشى أن يحال بينه وبين هذا الطريق، ويخشى أن يختم على قلبه، أليس النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وكان يقول: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، (اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علي).

وكان يدعو في سفره، لأن الإنسان عندما يسافر يتغير من حال الإقامة إلى حال السفر، بكل ما في حياة السفر من متغيرات، فيذكره هذا بالقضية الأساس والأهم هو أنه كان مستقيماً على هذا الطريق، فيخشى أن يحال بينه وبينه.

يا أخي! إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يثبته، ويخشى من الحور بعد الكور، ويقول له ربه سبحانه وتعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء:٧٤]، فغيره من باب أولى.

الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي، ويعبد الله عبادة حقه تعينه وتثبته على طاعة الله عز وجل، وهو أعلم الناس بالله، أما نحن فلنا شأن آخر، وحياة أخرى، ولنا جوانب كثيرة تشدنا إلى طريق الضلال والشهوات عافانا الله وإياكم.

ومن ثم فنحن أولى أن نخشع، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فوالذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

فأقول: يجب أن يكون هذا هاجساً لنا يقودنا مرة أخرى إلى عمل، لا يكون مجرد تفكير، فنكون دائماً على حذر من هذه القضية، وهذا يقودنا إلى دعاء الله دائماً، وسؤال الله السلامة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد علمنا أن ندعو الله عند السفر، وقد علمنا أن ندعو الله عز وجل: (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)، وقد علمنا أن نستهديه دائماً، وقد علمنا أن نسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، فإنه سبحانه وتعالى لو وكلنا إلى أنفسنا فإن هذا يعني الضلال والخسارة.

إذاً: هذه الخطوة نتيجة للخوف الداخلي الذي قادنا إلى الدعاء، والدعاء من أفضل الأعمال، أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدعاء هو العبادة)؟ جانب ثان أيضاً: أن يستزيد الإنسان من الأعمال الصالحة؛ لأنه يعرف أن الأعمال الصالحة تزيده تثبيتاً، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء:٦٦ - ٦٨].

فلو استجابوا لأمر الله سبحانه وتعالى، وفعلوا ما يوعظون به لكان خيراً وأشد تثبيتاً لهم، ولهدوا صراطاً مستقيما، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

فالأعمال الصالحة بعد توفيق الله عز وجل تكون عوناً للمرء على الثبات، وعلى سلوك طريق الاستقامة.

إذاً: هذه خطوة ثانية كانت نتيجة هذا التفكير، ونتيجة هذا الهاجس.

خطوة ثالثة: الحذر من أسباب الضلال، ومن أهمها المعاصي، فإن المعصية تقول: أختي أختي، فتجر أختها، وتجر أختها، حتى تصبح عادة، فيعتادها الإنسان فينتقل إلى ما هو أكبر منها، حتى يضل عافانا الله وإياكم، وكم من الناس من كانت معصية واحدة سبباً في ضلالة وغوايته.

إذاً: فيجب أن نحرص على هذه النعمة وأن نحافظ عليها، وقديماً كان يقال: المحافظة على النصر أصعب من الحصول عليه.

وهذه القضية ليست عبارة كروية كما نستعملها ويتبادر إلى الذهن، هذه يقصدون بها النصر العسكري، فالإنسان يمكن أن يحقق النصر وينتصر في معركة، لكن المحافظة على هذا النصر قضية صعبة، أنا ممكن أن أستجمع قواي وطاقتي كلها وأحقق انتصاراً حاسماً، لكن أن أحافظ على هذا النصر وعلى هذا الموقع الذي حققته هذه قضية صعبة.

فكذلك يجب ألا يقف تفكيرك عند هذا الحد، فتقول: أنا الآن استقمت وتجاوزت المرحلة! بل يجب أن تشعر أنك محتاج إلى الثبات، وإلى البحث عن أسباب عوامل الثبات حتى تسلكها لعل الله أن يوفقك إليها، وأن تكون على حذر باستمرار من الخلل أو أي انحراف يمكن أن يقودك إلى ذلك.

وقلنا أيضاً: إن هذه القضية يجب ألا تكون مجرد هاجس فقط، فإذا صارت هاجساً صارت مرضاً، فصارت القضية مجرد تفكير لا تقدم ولا تؤخر، بل مع هذا الهم وهذا الهاجس تتحول إلى عمل، هذا العمل يتمثل في الدعاء، وبفعل أسباب الثبات وعوامل الثبات وتجنب عوامل الانحراف والضلال.