للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موضي بنت أبي وهطان]

ومن النماذج القريبة زوجة الأمير محمد بن سعود رحمه الله موضي بنت أبي وهطان كان لها دور كبير في إقناعه بمناصرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد أتاها أخوا الإمام محمد بن سعود وطلبا منها أن تقوم بهذا الدور في إقناعه أن يتبنى الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته، فما زالت به حتى أقنعته بذلك، وأمرته أن يذهب إليه ويقابله، وتم ما تم حتى كتب الله النصر والتمكين لدعوة هذا الإمام المجدد بتوفيق الله سبحانه وتعالى بعد أن ناصره هذا الإمام الصادق، وهي أم الإمام عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود رحمه الله الذي بلغ الغاية في العدل والعلم والورع، ولقب بمهدي زمانه.

وهي نماذج طويلة -أختي الفاضلة- من الأمهات اللاتي صنعن القادة وأصحاب المواقف، واللاتي صنعن الفقهاء والعلماء، واللاتي صنعن المصلحين، لقد كان وراء كل واحد من أولئك أم صالحة، تعاهدته بالرعاية والتربية والإحسان حتى أبلغته ما بلغ.

أتظنين أن تلك الأم التي تربي ابنها على أن يخاف حتى من ظله، التي تربي ابنها على أن يخاف من أي هاجس، وتخلق القلق والجزع والخوف والجبن لديه، أترين هذه قادرة أن تنتج ابناً يقول كلمة الحق حين يحتاج إلى ذلك؟ أترينها تنتج ابناً يحمل السلاح والجهاد في سبيل الله حين تفتقر الأمة إلى أمثاله؟ أم ترينها تنتج مصلحاً يدع الدنيا ويطلقها وراء ظهره؛ ليحمل على عاتقه أمانة الدعوة والإصلاح؟ أم ترين أن تلك المرأة التي تربي ابنها على حب الدنيا والتعلق بها وبمتاعها الزائل، أو تربي ابنها على أن يلبي داعي شهواته ورغباته، فلا ترى أن يكدر نومه، ولا أن يقلق راحته، ولا أن يهب عليه الهواء، أترين هذه الأم قادرة أن تنتج طالباً للعلم حاملاً لرسالته، متحملاً المشقة واللأواء والنصب في سبيل تحصيل العلم الذي ينفعه الله سبحانه وتعالى ويهديه به، ومن ثم يحمله بعد ذلك إلى أمته؟ إن أولئك الذين يتحدث عنهم التاريخ من القادة والمصلحين والحكماء والعلماء والدعاة، إن أولئك وغيرهم إما أن تكون وراء كل واحد منهم أم صالحة تعاهدته بالرعاية والتنشئة، أو أن يكون يتيماً، أو يكون قد خلف وصايا أمه المخذلة وراء ظهره، أما أولئك الذين يرضعون الجبن ويتربون في كنف المذلة والعار فلا يرتجى منهم أن يصلوا إلى هذه المنازل ولا أن يبلغوها.

والأمة -أخواتي الفاضلات- أحوج ما تكون في هذه المرحلة إلى هؤلاء المصلحين والعلماء والدعاة والقائلين بالحق والقادة والمجاهدين، هي أحوج ما تكون إلى هذا الصنف الفريد من الناس، ولاشك أن كل واحد من هؤلاء لابد أن تكون له أم، فهلا أخذت على عاتقك أن تدعي ابنك ليكون من هؤلاء؟ هلا أخذت على عاتقك وأنت تداعبين ابنك وهو صغير أن يبلغ مبلغ الرجال، وأن تعديه لذلك، وتربيه على هذه المهمة، وأن تنشئيه من صغره وهو يحمل قضية الإسلام، وقضية الدين، وقضية هذه الأمة، ألا يعيش لنفسه، إنما يعيش لدين الله سبحانه وتعالى، أن يشعر بأن الدنيا لا قيمة لها، ولا تعدل جناح بعوضة، وأنت حين تقومين بهذا الجهد فإنك تقدمين خيراً عظيماً لهذه الأمة، وتؤدين دوراً لن يؤديه إلا أنت، فهل أنت فاعلة ذلك؟