للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتخاذ العبادة شأناً وديدناً لأهل البيت

سادساً: حين يعبد المسلم ربه في بيته، وحين يكون لبيته نصيب من صلاته وعبادته لله عز وجل فإن هذا مدعاة لأن تكون العبادة شأناً له وديدناً له في كل أحواله، فهو يعبد الله في المسجد، وهو يعبد الله حين يلتقي برفقته وإخوانه الصالحين الأتقياء البررة، وحين يعود إلى البيت كذلك، فتصبح العبادة شأناً له وديدناً، فيلهج لسانه وجوارحه وأحواله كلها في العبادة لله سبحانه وتعالى، فتصبح عبادة الله عز وجل عادة له يشق عليه أن يتركها، وأمراً يألفه فيصعب عليه أن يفارقه، بعد أن كان يجاهد نفسه ويكابدها على هذه العبادة.

أرأيت مثلاً الذي لا يشهد صلاة الفجر مع الجماعة، كم يثقل عليه حينما يريد أن يستيقظ للصلاة؟ أما الذي اعتاد أن يستيقظ للصلاة فالأمر هين عليه سهل، بل يثقل عليه ويشق عليه ويصيبه السأم والأسى حين لا يستيقظ مرة من المرات، وهكذا شأن سائر العبادات، فحين يديم المرء عبادة ربه وذكره وتلاوته يصبح جزءاً من حياته لا يستطيع أن يفارقه، يصبح مدمناً على هذا الأمر ومداوماً عليه فيصعب عليه ويشق عليه تركه، فيصبح من المخبتين المتقين المقبلين على الله سبحانه وتعالى.

سابعاً: وهي قضية مهمة خاصة للشباب، هو أن كثيراً من الشباب يشتكي من البيت أو يشتكي من الفراغ والخلوة في البيت، وحين يبقى في منزله فهو يبقى كأنه في زنزانة على أحر من الجمر، ينتظر صاحبه الذي اعتاد أن يصحبه كل يوم أن يطرق عليه بابه أو جرس الهاتف مؤذناً له بأنه سيحل عليه، وحين يفارق أصحابه أو يفارقونه يشعر بوحشة وغربة، فيعيش في البيت كأنه يعيش في جحيم، ولهذا تراه يتمنى أن لا يعود مبكراً إلى المنزل، ويتمنى أن يفارق المنزل حين يحل فيه، وله شيء من العذر في ذلك، ذلك أنه يرى أنه حين يكون مع إخوانه ومع رفقته يكون أكثر إقبالاً على الله سبحانه وتعالى، وأكثر طاعة له عز وجل وأكثر بعداً عن معصيته، أما حين يخلو بنفسه ويغلق عليه بابه فإن ذلك مدعاة لأن يستولي عليه الشيطان، مدعاة لأن يوقعه في معصية الله عز وجل، والشيطان يهم بالواحد وهو من الاثنين أبعد، ويهم بالاثنين وهو من الثلاثة أبعد، ولهذا نجد البعض من الشباب قد ينحرف، وقد يضل حين ينقطع عن رفقته، ويبقى وقتاً في منزله، فلم يعتد أن يبقى وحيداً، ويتساءل: ما العلاج لهذه الظاهرة وهذه الحالة؟ لكنه لو اعتاد أن يعمر البيت بالعبادة، فيقرأ القرآن في بيته، ويذكر الله، ويصلي لله عز وجل في أي وقت تكون فيه الصلاة مشروعة ليست خاصة بالرواتب، ولا بقيام الليل بل في أي وقت ما دام ليس وقتاً للنهي فالمرء مشروع له أن يصلي لله سبحانه وتعالى ما كتب له، فهو حين يعتاد هذا الأمر ما أن يخلو في منزله حتى يفزع إلى صلاته، أو إلى تلاوة كتاب الله عز وجل، أو إلى ذكر الله سبحانه وتعالى، فلا يشعر بالغربة، ولا يشعر بالوحشة، ولا يشعر بأثر فقدانه لأصحابه وإخوانه، بل ربما صار يدعوه ذلك إلى أن يجتهد في أن يكون له نصيب من خلوته بالله سبحانه وتعالى، له نصيب يخلو فيه ويبتعد فيه عن الناس ليركع ركعتين لله في ظلمة الليل، أو يتلو كتاب الله عز وجل، أو يذكر الله بقلبه ولسانه خالياً عله أن تفيض عينه بدمعة خوفاً من الله سبحانه وتعالى، أو شوقاً إلى لقائه ورحمته فيكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

أقول: حينما نعتاد العبادة بأبواها وطرقها في منازلنا فإننا لن نشكو هذه الشكوى بل ربما نسعى إلى أن نوفر جزءاً من وقتنا لنخلو فيه في بيوتنا لنتعبد إلى الله سبحانه وتعالى، وحين يفضل وقت بعد ذلك فهو سيصرفه في قراءة كتب أهل العلم، أو سماع ما يتعلم به فيرى حينها أن وقته قد صار كله معموراً بطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته.