للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأنبياء هم أمة النجاح والإنجاز البشري]

اعتاد الناس أياً كانت اتجاهاتهم ومذاهبهم وطرقهم على أن يثنوا على أولئك الذين ينجحون على أولئك الذين ينجزون على أولئك الذين يبدعون ولا يزال الناس يتحدثون كثيراً عن عوامل نجاح فلان، وعن سر إبداع فلان فهاأنت ترى الأدباء يتغنون كثيراً في الحديث عن سيرة فلان وفلان من الأدباء الذين قد تحولوا إلى رفات يتحدثون عن سيرهم ونجاحهم وإنجازهم، ويتحدث المؤرخون والساسة أيضاً عن أولئك الناجحين ويقرءون سيرهم ويأخذون منها معالم يقتفونها ويسيرون في إثرها، ولا يزال المصلحون والمجددون والدعاة يحظون بعناية أهل العلم وأهل الفكر والتوجيه دراسةً لأسباب النجاح وتحليلاً لعوامل النهوض والارتقاء لا يزال أولئك يتحدث عنهم الكثير وهم قد يستحقون ذلك.

لكن قمة النجاح وغاية الإبداع والإنجاز هو ما حققه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، إن الله سبحانه وتعالى قد اختار الأنبياء للقيام بهذه الدعوة {وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:٨١] {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:٦٨] أفليس الدعاة إلى الله عز وجل أحوج إلى دارسة سير الأنبياء وكيف حققوا مقاصدهم ونجحوا فيما يسعون إليه؟! بلى والله، فإنهم أولى قبل أن يكونوا معصومين وقبل أن يؤمر بالاقتداء بهم؛ لأنهم في قمة النجاح والإبداع والإنجاز، فكيف وهم مع ذلك معصومون وكيف ونحن مأمورون بالاقتداء بهم والسير على طريقهم.

معشر الإخوة الكرام! هذه عوامل وأسباب تؤكد لنا ضرورة العناية بدارسة منهج الأنبياء، ونحن حين ندرس منهج الأنبياء فإننا ينبغي أن نأخذه جملة بكل تفاصيله وكل معالمه لا يسوغ أن نقتطع أجزاء من هدي الأنبياء فنحتج بها ونتحدث عنها ونخاصم من أجلها وندع ما سواها.

ولا يسوغ أن نرسم منهجاً ونقرر ثوابت ثم نبحث لما قررناه عما يعززه ويعضده من منهج الأنبياء، فينبغي أن نتجرد من الأهواء والتبعية والتقليد إلا لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحينها نستطيع أن نترسم معالم هذا المنهج واضحاً جلياً مشرقاً بعيداً عن الزلل والانحراف؛ ولهذا فليس كل من تحدث عن منهج الأنبياء وعن دعوة الأنبياء قد تحدث حديثاً شاملاً كافياً وليس مبرأً عن الهوى وعن الخلفية السابقة التي يأتي إليها فيبحث لها عما يؤيدها.

وأنا حين أقول ذلك لست أدعي العصمة فيما أقول، فأنا لا أعدو أن أكون قد رصدت نقاطاً ظهرت لي من خلال تلاوة آيات الله عز وجل فيما قصه الله سبحانه وتعالى عن أنبيائه، فسعيت أن أشير إلى بعض المعاني التي اتفق عليها الأنبياء عامتهم أو معظمهم وأرى أنها ينبغي أن تكون معالم وثوابت لمنهج الدعوة إلى الله عز وجل.

وقد يكون في بعض ما أراه خطأ أو شطط، وهذا دليل على سلامة منهج الأنبياء أصلاً؛ لأن البشر أياً كانوا لا يمكن أن يتجردوا عن الأهواء والأخطاء.