للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عيب الذين لم ينتفعوا بجوارحهم]

خامساً: لقد عاب الله عز وجل في القرآن على أولئك الذين لم ينتفعوا بهذه الجوارح ولم يستفيدوا منها، يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:١٨]، ويقول: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:١٧١] وهذه الآية فيها جانبان: الأمر الأول: بأن الله عابهم بأنهم صم بكم.

الأمر الثاني: أن الله شبههم بالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، وهي الماشية والبهيمة، فهم مثل رجل يدعو بهيمته فينعق بها، فالبهيمة لا تسمع إلا دعاء ونداء، لكنها لا تفقه ما يقوله الراعي، تفهم أن هذه الكلمة كلمة زجر، تفهم أن هذه الكلمة دعوة للطعام، أن هذه الكلمة دعوة للشراب، أن هذه الكلمة دعوة للمراح والمبيت وحين يكون الناس كذلك فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، فلقد عاب الله على الذين أصبحوا صماً بكماً وشبههم بالراعي الذي يقود القطيع، فينعق بما لا يسمع، حينها يأتي هذا القطيع يوم القيامة فيقولون: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} [الأعراف:٣٨]، ويقول عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٦].

إن هؤلاء الذين اتبعوا هم أولئك الذين كان يُنعق بهم، وكانوا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء.

وفي سورة الأنعام أيضاً يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:٣٩] إذاً فالذي يُعطّل جوارحه عن سماع الحق وعن سماع الحجة والبرهان لا يسوغ أن يُمتدح بأنه يسير على الجادة، بل هو ممن قال الله عز وجل فيهم: {صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:٣٩].

والإفاضة في الحديث عن آيات القرآن الكريم يطول، وأظن أن فيما تحدثنا عنه كفاية في دعوة الناس إلى أن يتعبدوا لله عز وجل بما في كتابه سبحانه وتعالى، وبما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، بعيداً عمّا ورثوه من آبائهم وأجدادهم، بعيداً عن تلك التقاليد والرسوم التي عهدوها وألفوها، بعيداً عمّا يسمعونه من رأي فلان وفلان من الناس، سواء كان عالماً متبوعاً أو كان سيداً مطاعاً.

إن هذا كله أيضاً دليل على أن أولئك الذين يسيرون ويعطلون عقولهم ليسوا أهلاً للمدح والثناء بل هم أشبه بأولئك الذين ذمهم الله عز وجل وعابهم وأخبر أنهم ضالون.