للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إحياء الجهاد في سبيل الله]

ثاني عشر: أن هذا الجيل من الشباب أحيا سنة كادت الأمة أن تنساها، إلا وهي سنة الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.

إن تجربة الجهاد الأفغاني تجربة قريبة وتجربة لن تنساها الأمة في وقت كادت الأمة أن تنسى الجهاد، كادت أن تنسى هذه الفريضة، بل للأسف لقد كان بعض من يتصدر للتعليم وتدريس الناس الفقه يقفز من باب الجهاد حين يصل إليه، لأنه قد نسيته الأمة، وحين قام هذا الجهاد في تلك البلاد وفتح الميدان رأينا الشباب ممن لم يتجاوز العشرين، أو تجاوزها بقليل، رأيناه يترك الدنيا ويترك الدينار والدرهم، ويترك كل ما يسير إليه الناس من متعهم، ويرحل إلى بلاد لا يعرف لغة أهلها، ولا يعرف طريقتهم، ولا يعرف حياتهم، ولسان حاله كحال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين ودع أصحابه وقالوا له: حفظكم الله وردكم إلينا، فقال: لا ردنا الله إليكم، وقال: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة بحرية تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدتي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا وكان يسأل الله الشهادة ويقول وهو يخاطب راحلته: إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك أنعم وخلاك ذم ولا أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المسلمون وخلفوني بأرض الشام منجدل الثواء هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء ولسان حاله يقول كما قال الأول: إذا العرش إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن أحن يومي سعيداً بصحبة يمسون في فج من الأرض خائف لئن كان قالها صاحب بدعة وصاحب ضلاله فهو يقولها وهو على السنة، وهو يتمنى أن يرزقه الله الشهادة هناك.

لقد نسيت الأمة صور الشهادة، لقد نسيت صور الجهاد، وها نحن نرى بحمد الله نماذج من هؤلاء، ممن قتلوا ونحسبهم والله حسيبهم من الشهداء في سبيل الله، ممن أحيوا فريضة الجهاد، وضربوا للأمة أروع الأمثلة في التضحية والبطولة والفداء، في وقت كان يسافر فيه أترابهم وأقرانهم لقضاء الرذيلة ولقضاء الشهوات المحرمة، في وقت كان يسافر فيه الكبار والصغار للنزهة، يسافرون إلى البلاد التي يتيسر لهم فيها ما لا يتيسر لهم في بلادهم، أما هؤلاء فلهم شأن آخر وقضية أخرى وحياة أخرى، وأولئك الذين لم تكتحل أعينهم برؤية ميدان الجهاد، ولم تشنف أسماعهم بسماع صوت الجهاد، كما كان أحدهم يتغنى: لا شيء يشجيني ويطرب مسمعي كأزيز رشاش وصولة مدفع إنهم إذ لم تكتحل أعينهم برؤية تلك المشاهد، ولم تتشنف أسماعهم بسماع ذاك الصوت، ولم يحصل لهم شرف المشاركة في تلك الميادين، فإنما عاقهم عائق، وحبسهم حابس عن هذه الميادين، وأحدهم يتمنى أن تتاح له الفرصة، وأن يفتح له الميدان، أليست صورة تستحق الإشادة، أليست صورة تستحق أن نحفل بها وأن نشعر أنها وبحمد الله من منجزات جيلنا المبارك.

وكما قال صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس لهم في دينهم ودنياهم رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيعة طار يبتغي القتل والموت مظانه).