للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقفهم من المعاصي]

رابع عشر: موقف هؤلاء من المعاصي.

إن هؤلاء شأنهم شأن سائر المسلمين، قد يقعون في المعصية، وقد يواقعون الذنب، ومن هو الذي لا يقع في الذنب والمعصية: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وأتى بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم).

(وكل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون كما قال صلى الله عليه وسلم).

إن هؤلاء وإن وقع أحدهم في المعصية، إلا أن حالهم مع المعصية ليست كحال سائر المسلمين، إن أحدهم ما يلبث أن يبادر للتوبة إلى الله تبارك وتعالى والإقلاع، ولعله بهذا من أسعد الناس بقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١ - ٢٠٢].

وبقوله تبارك وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران:١٣٣].

ثم ذكر تبارك وتعالى في صفة هؤلاء أنهم: {إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥].

في حين يصر غيرهم على هذه المعاصي، وهم لو وقعوا في المعصية فإن أحدهم يستعظم المعصية، وتعظم عنده، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى معصيته كالجبل يوشك أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا).

كم يستهين الكثير من المسلمين بالنظر الحرام، بل يستنكر حين ينكر عليه هذا الأمر، وكم يستهينون بالكبائر والفواحش! أما هذا الجيل فإنك تراه حين تقع منه نظرة أو حين يقع في معصية يستعظمها، ويقبل على الله عز وجل مستغفراً تائباً، ويشعر أن هذه القضية توشك أن توبقه.

وهم أيضاً لو وقعوا في المعصية فإنهم إنما يقعون في المعصية وقوعاً عارضاً، إنهم لا يسعون إلى المعصية، ولا يبحثون عنها، ولا يفرحون بها، لكن قد يواقع أحدهم المعصية وقد غلبته شهوة، وقد غلبه هواه، ولعله أسعد الناس بما قاله ابن القيم رحمه الله وهو من أعلم الناس بأمراض القلوب، قال في مدارج السالكين: إن الله تبارك وتعالى إنما يغفر للعبد إذا كانت مواقعة الذنب منه على وجه غلبة الشهوة والهوى، فإذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خائف، مختلج في قلبه شهوة الذنب، وخوف الله تبارك وتعالى.

أما ذاك الذي يواقع الذنب وهو يضحك ظهراً ببطن، وهو الذي لا يدع ذنباً إلا أتاه، فهو من أبعد الناس عن التوبة، ومن أقرب الناس إلى أن يحال بينه وبين التوبة، أو كما قال رحمه الله تبارك وتعالى.

وهم أيضاً لو وقعوا في المعصية فهم لا يجاهرون بها، بل يستخفي أحدهم بها، ويخشى أن يراه غيره عليها، ولا شك أن هذا بإذن الله دليل خير، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) ولعله ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم بحديث النجوى: (إن الله يدني عبده المؤمن، ويضع عليه كنفه، ويقرره بذنوبه، فيقول: تذكر ذنب كذا وكذا؟ تذكر ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا ظن أنه قد هلك، قال: أنا ستترها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الفاجر أو الكافر فينادى بذنوبه على رءوس الخلائق).

أيها الإخوة! إن هذا الحديث ليس شهادة عصمة، ولا مناداة بالبراءة من الخطأ والزلل والذنب على هذا الجيل، وليس دعوة إلى أن ننسى الأخطاء والسلبيات، لكن كما سبق أن أشرت في أوله، حيث إننا أصبحنا لا نسمع عن هذا الجيل إلا حديث النقد وذكر الأخطاء، فربما كان هذا مدعاة أن ينسينا بعض هذه الجوانب المشرقة، فأحببنا أن نستثيرها في أذهانكم، وأحببنا أن نذكركم بها، وهو لا يعني كما قلت شهادة براءة، ولا يعني الدفاع عن الأخطاء والسلبيات.

فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن نشأ في طاعة الله تبارك وتعالى، ونسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، وأن يجعلنا وإياكم ممن يقبض على دينه ويكون كالقابض على الجمر.

هذا والله وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.