للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمره صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق]

أيضاً: كان صلى الله عليه وسلم يأمر بمكارم الأخلاق، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم أول من يمتثل ما يأمر به صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم قد حذّرنا وحذّر أمته من أن يقول أحدهم ما لا يفعل، وأخبر أن الرجل يُلقي في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: ألم تكن تأمرنا وتنهانا؟ فيقول: بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه، عافانا الله وإياكم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له كمال الامتثال والتأسي فلا شك أن كل ما يأمر به صلى الله عليه وسلم ويدعو به أمته؛ لا شك أن ذلك سيكون متمثلاً في حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته.

ها هو أبو ذر رضي الله عنه يحكي في قصته التي يرويها الإمام مسلم عن ابن عباس يقول: (لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فأعلمني علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني.

فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ويقول كلاماً ما هو بالشعر).

ونقف أيها الإخوة عند هذا المعنى ونتأمل، متى قدم أبو ذر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال في مكة، ولما ينزل بعد الكثير من آيات القرآن، ولما تنزل الشرائع والأحكام، وأصبح هذا المعنى معلماً بارزاً في دعوته، فحين أراد صاحب أبي ذر رضي الله عنه أن يلخّص له دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد أبلغ من أن يصفها بهذه الكلمة: (رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ويقول كلاماً ما هو بالشعر) إنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بمكارم الأخلاق في مكة ودعا إليها لما كان ذلك كافياً، أما أن تكون مكارم الأخلاق هي العنوان لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي القضية التي يشعر هذا الرجل الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وتفحّص حاله؛ فهذا يعني أنه معلم بارز واضح يدركه كل من عاشر النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، ولو كان في تلك المرحلة التي كان صلى الله عليه وسلم لا يزال فيها في أول رسالته وأول دعوته، ولما تنزل الكثير من الأحكام والشرائع بعد.

وفي الصحيح عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقلت: (أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة.

قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض التي في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويرحم، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً).