للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرحمة]

ومن خلقه صلى الله عليه وسلم الرحمة، بل إن الله تبارك وتعالى أرسله رحمة للعالمين، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (قيل: يا رسول الله ادع على المشركين.

قال: إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) رواه الإمام مسلم.

ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم لا تقف عند حد البشر، بل تتجاوز ذلك إلى البهائم.

يحكي عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حائطاً فرأى جملاً، فحن الجمل لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليه فأقبل إليه ومسح ذفراه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين صاحب الجمل؟ فجاء شاب من الأنصار فقال: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه).

يجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب القلب المليء بهموم الناس وهموم الأمة كلها يجد في قلبه صلى الله عليه وسلم مكاناً لأن يعتني بشأن دابة من الدواب، وبهيمة من البهائم، وكأن هذا الجمل قد أدرك حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يعدم مكاناً لدى هذا الرجل العظيم، ثم يأتي صلى الله عليه وسلم فيسأل عن صاحبه؟ ويوصيه به خيراً.

وحين يأتي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى طائر من الطيور فيأخذون فراخه، فيأتي صلى الله عليه وسلم فيقول: (من فجع هذه بولدها؟) إن النبي صلى الله عليه وسلم يرحم هذه البهائم والدواب فكيف ستكون رحمته صلى الله عليه وسلم بالناس؟ بل كيف ستكون رحمته صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين بالله تبارك وتعالى؟ ولهذا وصفه عز وجل بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم.

وفي هذا أيها الإخوة أسوة لكل من ولاه الله عز وجل أمانة ومسئولية على المسلمين صغرت أم كبرت، أباً كان أو معلماً أو موجهاً، ولهذا أخبر صلى الله عليه وسلم أن أولئك الذين لا يرحمون الناس لا يرحمهم الله تبارك وتعالى.

استنكف رجل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقبّل صبياً من الصبيان، فقال: (تقبّلون صبيانكم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟)، وفي موقف آخر يقول صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يُرحم).

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته أن يدعو: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه).