للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة على ذلك من السنة]

ويشير النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أحاديثه إلى شيء من هذه السنن، يقول صلى الله عليه وسلم في قصة قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين: (فوالله ما الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).

فهي سنة لا تتخلف: أنه حين يتنافس الناس في الدنيا، ويتنافسون في الدينار والدرهم كما تنافس الذين من قبلهم أن تهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم.

ونظر صلى الله عليه وسلم إلى السماء فقال: (هذا أوان يختلس العلم، فقال زياد بن لبيد رضي الله عنه: كيف يفقد العلم ويرفع العلم وقد قرأنا القرآن وأقرأناه أبناءنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت لأظنك من أفقه أهل المدينة! هذه الكتب عند أهل الكتاب أو اليهود والنصارى فلم تغن عنهم شيئاً)، فالسنة التي حقت على أولئك قد تحق على هؤلاء.

وحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم حد الله على امرأة شريفة ذات مكانة: امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع فتجحده، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يدها، فشعر بنو مخزوم وشعرت قريش أن هذا فيه إهانة لشرف هذه القبيلة ذات المنزلة العالية، فأردوا أن يستشفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخفف عنها الحد، ويسقط عنها هذه العقوبة، فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة رضي الله عنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، فكلموا أسامة، فكلم أسامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب صلى الله عليه وسلم على أسامة وقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!)، فالنبي صلى الله عليه وسلم عالج هذه القضية الخطيرة، والتي إن بدت في الأمة فهي نذير هلاك، أي: إن بدت فيهم المحاباة في أحكام الله تبارك وتعالى فهي نذير عقوبة وهلاك.

فلم يكتف صلى الله عليه وسلم بهذا الرد على أسامة، ولم يكتف بإقامة الحد على هذه المرأة، بل صعد المنبر صلى الله عليه وسلم وقال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، إذاً فقد كان السابقون يحابون في الحدود، وكانوا يقيمون أحكام الله على الضعفاء، وعلى أهل الوضاعة وأهل المنزلة التي ليس لها قيمة ومكانة عند الناس، وأما الشرفاء وأما أهل الشأن وعلية القوم فلهم شأن آخر، ولهم موقف آخر.

ولهذا توعد صلى الله عليه وسلم أنكم إن فعلتم كما فعل من كان قبلكم فسوف تهلكون كما هلك من كان قبلكم، إذاً هذه المادة أيضاً من الحديث هي عن السنن الكونية في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.