للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تغيير الواقع أمر ممكن]

النتيجة الثالثة: أن التغيير ممكن وليس الواقع المعاصر أمراً حتماً ولازماً، وليس هو قدر الله لهذه الأمة ولا لمجتمعات المسلمين.

إن التغيير يمكن أن يحصل، وإن الأمة يمكن أن تنتقل إلى عالم أفضل، وإننا حين ننظر في حال المسلمين وفي حال هذه الأمة وتعاملها مع هذه القضية ومع هذه الحقيقة نرى أن هناك أزمة تعانيها الأمة، وأنها بحاجة إلى من يقنعها بالتغيير، فالكثير من الناس يعتقد أن هذا الواقع يفرض نفسه، ولهذا حين تحدثه عما في نفسه، أو تحدثه عن قضية يعاني منها المجتمع وتطالبه أن يأخذ بيد القائمين والساعين للتغيير يقول لك: إن المفروض شيء والواقع شيء آخر، وهذا يعني: الاستسلام للواقع، والشعور بأن هذا الواقع قد فرض نفسه، وأنه ضربة لازب لا سبيل ولا مناص إلى تغييره.

ونحن نرى أيضاً إلقاء تبعة التغيير السابق أو التغيير اللاحق على الآخرين، فنحن نحمل ما أصابنا من مصائب ومن نكبات، ومن بعد عن دين الله، ومن تخلف حضاري وتأخر نحمل المسئولية غيرنا، وأيضاً نحمل مسئولية النهوض بمجتمعاتنا غيرنا، وهي صورة تنم عن جهل في فقه هذه السنن، وعن جهل في وعيها، وهي تدعو المؤمنين إلى إعادة قراءة كتاب الله تبارك وتعالى قراءة تدبر وتمعن، وتنزيل ما في كتاب الله تبارك وتعالى على واقعهم وحياتهم وعالمهم المعاصر.

ونحن نعاني أيضاً مرضاً ثالثاً: في تعامل المؤمنين مع واقعهم، ذلكم هو: تسويغ الواقع، وهو داء عضال وجريمة عظمى يرتكبها أولئك الذين يقفون حجر عثرة في سبيل أي جهد يبذل للإصلاح والتغيير، فعجباً لحال هؤلاء! إن هناك وفي هذه المرحلة وهذا الواقع من يسعى لتبرير الواقع وتسويغه، وتسويغ الانحراف الذي تعاني منه الأمة والذي لم يعد خافياً على ذي عينين، إن هناك من يدافع عن تلك الجرائم التي ترتكب بحق الأمة، إن هناك من يدافع ويبرر كثيراً من مظاهر الشرك والوثنية التي تعاني منها الأمة الآن، ويلبسها تارة لباس المصلحة، وتارة لباس الجهل، وتارة يلبسها لباس أن أولئك يفقهون ما لا تفقهون، ويعلمون ما لا تعلمون، ويريدون ما لا تريدون، وأنكم حين تنزل الحكم الشرعي على هذه الوقائع فتقرر أن هذا الأمر جريمة، أو أن ذاك العمل صد عن سبيل الله، أو أن هذا مظهر من مظاهر الكفر بالله تبارك وتعالى، أنكم حين تسعون لذلك فإنكم تسعون إلى إثارة البلبلة، وإلى تمزيق صف الأمة ووحدتها، وكأن هذه الأمة مدعوة لأن تتحد على الخنى والفجور، وأن تحافظ على هذا الاتحاد ولو كان ذلك على حساب قضية الإيمان وقضية التوحيد وقضية العفة والنزاهة.

إن هناك للأسف وفي هذا الواقع المرير الذي يدعو الأمة أجمع إلى أن تهب وأن تقوم يداً واحدة للإصلاح والتغيير، إن هناك من يسعى إلى تسويغ الواقع وتبريره، ومحاولة البحث عن المسوغات وهي جريمة أشنع وأشد من جريمة القاعدين والناكسين.

وهناك سلوك رابع خاطئ في تعامل المسلمين مع هذه القضية، وهو إفراز لشعور المسلمين أن هذا الواقع لا يمكن أن يتغير، ذلكم هو الوهم الذي سيطر على المسلمين: وهو أن حل قضيتهم في انتظار البطل القادم الذي يأتي ويحل مشاكل المسلمين.

ولهذا فالمسلمون دائماً يتساءلون ويقولون: أين ابن تيمية؟ أين صلاح الدين؟ أين خالد بن الوليد؟ وأين فلان وفلان من الناس؟ وكأن هؤلاء قد شعروا بأنهم غير قادرين على أن يصنعوا شيئاً ولا أن يتقدموا خطوة، وأن هذا الواقع الذي تعاني منه هذه الأمة لا يمكن أن يتغير إلا إذا جاء هذا الفارس الموهوب، والبطل القادم الذي ليس له وجود إلا في خيال أولئك القاعدين الناكسين، مما حدا بشاعر أن ينعى على هؤلاء ويسخر بهم قائلاً: وغاية الخشونة أن تندبوا قمْ يا صلاح الدين قمْ دعوا صلاح الدين في مرقده واحترموا سكونه.

فإنه لو قام بيننا حقاً ستقتلونه إن المسلمين وهم يعيشون مرارة الهزيمة، وهم يعيشون مرارة التخلف، وهم يعيشون البعد عن دين الله تبارك وتعالى تتطلع نفوسهم للتغيير والإصلاح، لكنهم لا يجرءون على أن يحملوا أنفسهم مسئولية ما آل إليه واقعهم، ومسئولية الإصلاح والتغيير بعد ذلك، فيستسلمون لهذه الأوهام، ويتطلعون إلى أن يأتي رجل من عالم الغيب يقود الأمة لتقوم، ولو جاء هذا الرجل فإنه ما لم يقم معه الناس، وما لم يكن الناس له أعواناً، ويكن له من الناس ظهير فإنه سيقول كما قال موسى: {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:٢٥]، فحين تخلى قوم موسى عن موسى لم يكن ينفعهم، ولن يكن لينجيهم أنهم مع رسول من رسل الله من أولي العزم من الرسل، فلئن لم يتحقق ذلك لبني إسرائيل وهم مع نبي من أنبياء الله فإنه لن يتحقق لغيرهم وهم مع من هو دونه بكثير.