للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ينبغي الربط بين معرفة هذه السنن والإيمان بالقضاء والقدر]

النتيجة السادسة وبها نختم الحديث: ينبغي أن نربط هذه القضية بركن من أركان الإيمان؛ ذلكم هو الإيمان بالقضاء والقدر، إن المؤمنين يؤمنون جميعاً بل لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، ولا يتم إيمان العبد حتى يعلم أن الأمور كلها تجري بقدر الله تبارك وتعالى، وأنه كما قال تبارك وتعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٤٩ - ٥٠]، وكما قال تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

إن المؤمنين يدركون جميعاً إدراكاً نظرياً هذه الحقيقة، وهذه القضية هي: أن الأمور كلها في عالمهم المادي، وغير المادي، والأمور كلها التي تحكم حياة الأفراد والمجتمعات إنما هي بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، ويؤمنون ويدركون أيضاً أن الله تبارك وتعالى قد جعل لهذه الأمور أسباباً، وأن من تمام الإيمان بالقضاء والقدر أن يسلك الناس فعل الأسباب، إن الناس كل الناس يدركون أن الجوع والمرض أمر بقدر الله تبارك وتعالى، لكنهم يسعون إلى منع المرض عنهم، وإلى منع الجوع عنهم، وإلى دفعه عنهم بالطعام والشراب والعلاج، إنهم يدركون جميعاً أن الرزق بيد الله تبارك وتعالى، وأنه لا يزيده ولا يرده حرص حريص، وأنه لن تموت نفس منفوسة حتى تستكمل رزقها، إن الناس يدركون ذلك ومع ذلك يدركون أنه لن يحصلوا رزقهم إلا إذا فعلوا الأسباب، فيجتهدون ويكدحون ويبذلون وهم يعلمون أن الرزق بيد الله تبارك وتعالى.

ولكن هل نحن في أمور مجتمعاتنا وفي نظرتنا إلى واقعنا هل نحن ندرك هذه القضية وهذه الحقيقة وهي: ارتباط السبب بالنتيجة؟ وهل ندرك أن الأمور بيد الله تبارك وتعالى؟ ونحن كثيراً ما نقول: الأمور بيد الله تبارك وتعالى، ونحن كثيراً ما نقول: القضية قضاء وقدر، ونلجأ إلى الله بالدعاء، لكن هل نحن مع ذلك نفعل الأسباب؟ هل نحن نسعى إلى فعل الأسباب؟ إنه تماماً كما أنه لن نحصل رزقنا إلا بفعل الأسباب فلن ندرك التغيير أيضاً في مجتمعاتنا والإصلاح إلا بفعل الأسباب والاجتهاد في ذلك، وينبغي أن تكون الأسباب على قدر الهدف الذي نتطلع إليه ونسعى إليه.

إننا ونحن نرى في واقعنا أن الناس يجتهدون في دفع المرض عنهم وفي العلاج، فينفقون الأموال الطائلة، ويسافرون، ويفتشون يمنة ويسرة في محاولة علاج هذا المرض؛ يدركون أن ذلك من تمام الإيمان بقضاء الله وقدره، وأن الأمور بيد الله لكنهم يبذلون هذا الجهد، فهل نحن معشر الإخوة الكرام! نبذل هذا الجهد في تصحيح واقعنا؟ هل نحن نبذل هذا الجهد في علاج أمراضنا؟ هل نحن نبذل هذا الجهد في دفع الفساد الذي حل بأمة الإسلام؟ هل نحن نبذل هذا الجهد في إزالة هذه المنكرات التي فشت في مجتمعات المسلمين؟ إنه من الجهل بقضاء الله وقدره أو قل: من مخادعة النفس أن نضع يداً على يد ونقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن نبكي ونتحسر على أمة الإسلام، إن البكاء لن يجدي ولن ينفع شيئاً، وإن الحوقلة والاسترجاع وحدها لن تنفع والدعاء وحده لن ينفع إلا إذا كان معه جهد وبذل وتضحية وتحمل.

إننا ما لم نشعر أننا يجب أن ندفع ثمناً باهظاً لإزالة المنكرات لتصحيح الواقع للنهوض بهذه الأمة، وما لم نقم بذلك فإننا غير مؤهلين للتغيير؛ لأننا لم نغير ما بأنفسنا، إننا قد أتينا من قلة فقهنا في قضية الإيمان بالقضاء والقدر، إننا قد أتينا من قلة فقهنا بالعلاقة بين السبب والنتيجة، وإن من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن جعل هناك علاقة مضطردة في حياة الناس بين السبب والمسبب؛ بين السبب والنتيجة، فكل نتيجة يوصل لها سبب معروف يعرفه الناس في أبسط قضايا الناس إلى الأمور المعقدة، سواء في عالمهم المادي أو حياة مجتمعاتهم وحركة التاريخ، وهذا يعني: أن يسعى الناس إلى اكتشاف الأسباب، وأن يسعى الناس إلى بذل الأسباب إذا كانوا يتطلعون إلى نتيجة وحصولها، فالله تبارك وتعالى قد جعل لكل شيء سبباً، والله تبارك وتعالى قد جعل لكل شيء قدراً.

إن إدراك هذه الحقائق معشر الإخوة الكرام! ضرورة لأولئك الذين يتطلعون للإصلاح والتغيير، فهل ندرك هذه الحقائق؟ وهل نسعى إلى غرسها في مجتمعات المسلمين؟ أسأل الله تبارك وتعالى أن يغير ذل المسلمين إلى عز، وأن يغير معصيتهم إلى طاعة، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ويحكم فيه بشرعك، وينتصر فيه للمظلوم والضعيف، إنك سميع قريب مجيب، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.