للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضيلة سورة الكهف واشتمالها على الدروس والعبر]

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد: فعنوان هذه المحاضرة: إنهم فتية آمنوا بربهم.

وخير ما عمرت به خير البيوت -المساجد- ذكر الله عز وجل، وأن تعمر بتلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وتدارسه: (فما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يذكرهم تبارك وتعالى فيمن عنده إنه سميع مجيب.

هذه السورة العظيمة سورة يرددها المسلم ويقرؤها كل أسبوع، وهذا يعني أن فيها كثيراً من المعاني التي يحتاج الناس إلى تكرارها وإلى إعادتها، إننا دون أن نخوض في جدل وتساؤل عن الحكمة وراء تكرار هذه السورة وقراءتها كل جمعة دون أن نصل إلى إجابة لهذا السؤال فإننا نوقن أنه لم يؤمر بتكرار هذه الآيات وقراءتها إلا أن فيها معاني يحتاج الناس إلى أن يتذكروها، وأن يذكروا بها، وأن يتدبروها، وألا تغيب عنهم، هذه السورة العظيمة سميت بهذا الاسم: سورة الكهف، لأن فيها قصة هؤلاء الفتية الذين شهد الله لهم بالإيمان، وأثنى عليهم تبارك وتعالى.

وهذا الحديث الليلة ليس تفسيراً لهذه الآيات، فلست مختصاً بهذا العلم وهذا الميدان الذي له رجاله وفرسانه، إنما هو وقفات وإشارات لبعض الدروس والعبر التي ينبغي أن نستفيدها من هذه القصة، وبين يدي الحديث حول هذا الموضوع أرى أننا بحاجة إلى أن نؤكد على هذا المعنى التربوي الذي يرد كثيراً في كتاب الله عز وجل، ونرى أن اهتمامنا به وعنايتنا به لا يتناسب مع المكانة التي أولاها القرآن إياه، فالقرآن الكريم مليء بالقصص، والله تبارك وتعالى أخبر أنه يقص علينا أحسن القصص في هذا الكتاب، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٦]، وأخبر تبارك وتعالى أن في قصص الأنبياء عبرة لأولي الألباب، وأنه حديث صدق وحق: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف:١١١] نعم؛ لأن القصص يدخل فيها الأساطير والخرافات والأقاويل، أما كلام الله عز وجل فيتنزه عن ذلك.

إن هذا القرآن الذي هو كلام الله تبارك وتعالى أنزله الله عز وجل على عباده من فوق سبع سموات حين يكون مليئاً بالقصص والإشارة إليها والتعقيب عليها، فإن هذا يعطي المربين درساً مهماً في شأن القصة وأهميتها في التربية، وحين ندرك هذا المعنى نرى أننا نهمل شأن القصة أو أننا لا نعتني بها كما ينبغي، وأولى القصص التي ينبغي أن نعتني بها؛ هي ما جاء في كتاب الله عز وجل وما قصه الله تبارك وتعالى في كتابه، وهو دليل على أهمية هذا الموضوع وعلو شأنه.

إن كل واحد منكم يستطيع أن يطرح تساؤلاً حول موضوع يختار للحديث عنه، وقد يرى أن هذا الموضوع ليس ذا بال وليس ذا أهمية، ومن حقه أن يرى هذا الرأي، وأن يرى أن غيره أولى منه، لكن أن يقول امرؤ: إن قصة جاءت في كتاب الله أو قصها النبي صلى الله عليه وسلم ليست ذا بال فهذا أمر لا يمكن أن يجرؤ عليه مسلم ولا يقوله، وهي قضية لا مجال فيها للنقاش والجدل.

قصة جاءت في كتاب الله، تعني أننا بحاجة إلى أن نتدبرها، وأن نقف عند معانيها، وأن نقيس حالنا بحال أولئك الذين قص الله عز وجل علينا شأنهم، قصة قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم تعني أن لها شأناً ولها قيمة، فهي قضية تتجاوز مجرد الحديث التاريخي البحت الذي يعنى بتسطير الأخبار والروايات والأحداث، وحين نقرأ في كتاب الله ونحلل أساليب عرض القصة نرى أن القصة لا تأتي قصة مجردة تحكي أحداثاً إنما تأتي القصة وفي ثناياها الإشارة إلى العبر والعظات والدروس المهمة التي ينبغي على الناس أن يعوها.

ولهذا فحديثي سيكون عبارة عن جملة من الوقفات لا يجمعها جامع إلا أنها وقفات حول هذه القصة العظيمة التي جاءت في كتاب الله عز وجل.