للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[درس في القدوة]

وكونهم أيضاً شباباً وفتية يعطي درساً مهماً وتساؤلاً مهماً نطرحه اليوم ونحن نعيش أزمة في عالم الشباب الذين يتعلقون اليوم بالأمجاد والبطولات الزائفة والبطولات الزائفة التي يصنعها الأعداء، أو تكون نتاج إغراق الأمة في لهو وعبث فارغ، لا يعدو أن يفرغ قضية الأمة الكبرى والأساس من مضمونها ليخرج جيلاً إنما تتعلق البطولة والأمجاد لديه بتوافه الأمور، أليس الشباب اليوم في العالم الإسلامي وهم يعيشون هذه الأزمة أحوج أن يبرز أمامهم هذا النموذج وهذا البديل؟ ويتساءل المسلم اليوم بمرارة وأسى: أيعرف شباب المسلمين اليوم عن شأن أهل الكهف، وعن شأن أصحاب الأخدود، وعن شأن الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون عن أهل الفن واللهو والعبث الباطل الزائل؟ إن الإجابة على هذا التساؤل إجابة مُرَّة، وهي تطرح مطلباً ملحاً لكل من ولاه الله مسئولية في تربية وتوجيه الأمة أجمع أن الأمة اليوم والشباب بوجه أخص يعانون من أزمة قدوة، وها هو البديل إن كنا جادين وصادقين، فلماذا لا تبرز هذه النماذج للشباب على أنهم هم المثل الأعلى؟ إذا كان الشباب يبحثون عن البطولات والإنجاز والأمجاد فها هو إنجاز أولئك الشباب ومجدهم الذي يستعلون على شهواتهم وعلى رغبات الدنيا، ويستعلون على الفتن التي تأتيهم من هنا وهناك فيعلنون إيمانهم بالله عز وجل: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٤ - ١٥].

وأي مجد -أيها الشباب- وشأن أعلى من أن يتعلق الشباب بالمثل العليا؟ أن يتعلق الشباب بالقضية الكبرى التي خلقوا من أجلها؟ وألا تصرفهم الفتن والصوارف ويثبتوا أمامها في سبيل قضية كبرى، أيقارن هذا المجد بأمجاد الدنيا الزائفة التي يتطلع إليها الشباب اليوم؟ واسأل شباب الأمة اليوم عن قدوتهم، عن مثلهم الأعلى، عن الشخصية التي يتمنون أن يصلوا إليها، عن أمنيتهم في الحياة لتدرك المرارة والأسى وتدرك الحاجة الملحة إلى مثل هذا النموذج الذي لا يتطرق إليه الشك ولا الكذب، إنه نموذج يعرضه أمامنا كتاب الله عز وجل.

ثالثاً: ارتباط هذه القضية بالشباب تعطي الشاب الذي يعيش اليوم غربة ثقة بنفسه وثقة بطريقه، ويشعر اليوم وهو يرى ربما أنه يسير على طريق يخالفه الناس من هنا وهناك يشعر أن له امتداداً بعيداً يتجاوز هذه الحقبة الزمنية التي يعيشها؛ ليدخل ضمن هذه الدائرة الشباب الصادقون من سلف الأمة، والشباب الصادقون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، بل يتجاوز تاريخ الأمة المحمدية ليشمل تاريخ تلك الأمم الموحدة منذ أن أهبط الله عز وجل آدم إلى أن تقوم الساعة، فيشعر الشاب حينئذ بالاعتزاز وهو ينتمي إلى هذا المنهج، ويرى أنه لا يعيش غربة، وأنه لا يعيش حالة شاذة، وإن بدا من خلال النظرة القريبة العاجلة التي يعيشها وينظر إليها اليوم غريباً شاذاً، إنه حين يقرأ كتاب الله عز وجل ويرى هذا النموذج البعيد على تلك القرون المتطاولة على مدى التاريخ فيرى أن له إخوة ساروا على الطريق نفسه، لا شك أن هذا يدعوه إلى الثبات والثقة بالطريق الذي هو عليه، ولسان حاله وهو يقرأ هذه النماذج أن يقول: لست وحدك في الميدان ولست وحدك على الطريق، وإن أصابك ما أصابك ورأيت ما رأيت فاصبر فإنه طريق طويل، إنه طريق يتجاوز مدى الزمان، ويتساءل: أين الشباب العابثون اللاهون التائهون الذين متعوا أنفسهم بالشهوات؟ أو أين أولئك الشباب الذين لم يستطيعوا أن يتجاوزوا أسر عصرهم وزمانهم، أين هم على مدى التاريخ؟ وماذا حفظ التاريخ عنهم؟ أما أهل الكهف فهاهم على مدى التاريخ يتحدث الناس ويتساءلون عنهم وعن أسمائهم، وعن اسم ذاك الكلب الذي صحبهم، أين الكهف الذي عاشوا فيه؟ إلى آخر تلك التساؤلات، وإن كانت طائفة من هذه التساؤلات تساؤلات غير جادة، إلا أن هذا يعني أن أولئك حفظ شأنهم وبقي شأنهم وبقيت قيمتهم، وما عند الله عز وجل لهؤلاء ولغيرهم من المؤمنين الصادقين أعلى وأتم من هذا الذكر الذي بقي في الدنيا.

وهو أيضاً يعني قضية أخرى مهمة: أن الإيمان والدين يرفع المرء مراتب، ويتجاوز الاعتبارات التي يضعها الناس لدنياهم، فهذه فئة من الشباب خالفوا قومهم وشذوا عن منطق قومهم وما هم عليه، فذهبوا وأووا إلى غار فباتوا فيه مدة طويلة ثم بعد ذلك ماتوا، فماذا يعني ذلك؟ لقد أعلى الله شأنهم، وأثنى عليهم، وشهد لهم بالإيمان وزيادة الهدى.

فهكذا الإيمان والصلة بالله عز وجل، إنها تتجاوز كل الاعتبارات التي يعليها الناس اليوم من الجاه والنسب والمال وسائر المطامع التي يسعى إليها الناس، تتجاوز ذلك كله لتبقى هي الرصيد الذي لا يزول ولا يفنى.