للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الدليل والبرهان]

جانب آخر ووقفة أخرى: يقول هؤلاء: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:١٥]، الدليل والحجة والبرهان منطق مهم ينبغي دائماً أن يحكم ما نقوله في كل قضية، والحق أبلج والباطل لجلج، إن أولئك الذين يستخدمون أسلوب الإثارة والتهويل وإصدار الأحكام الجاهزة أولئك يفرون من منطق الحجة والبرهان، ولا يخشى الدليل ولا الحجة ولا البرهان ولا الحوار إلا أولئك الذين لا يملكون ما يقدمون، ولا يستطيعون أن يقنعوا الناس بقضيتهم ودعوتهم، أما أهل الحق فلا يخشون من ذلك، بل إن الله عز وجل دعا أولئك الذين تجرءوا على الشرك فقال: {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف:٤]، ودعا أولئك الذين نسبوا الولد إلى الله عز وجل أن يأتوا ببرهان أو حجة، ونعى تبارك وتعالى على أولئك الذين يسيرون ويتبعون كل ناعق، وما جاء التقليد في القرآن إلا في موضع الذم والنهي، بل جاء التشبيه البليغ لأولئك الذين يسيرون خلف كل ناعق فقال الله عز وجل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:١٧١]، كمثل الراعي حينما يسير بغنمه فهو ينعق بها ويصيح بها، فالغنم تسمع صوت الراعي لكن لا تفقه ما يقول، تسمع دعاء ونداء يدعوها فتسير وراءه وتمشي وراءه، ولا يسوغ أبداً أن نتربى على أن نكون قطيعاً نسير وراء كل ناعق، وأن تتربى الأمة على أن تكون قطيعاً ينعق لها هنا وهناك فتسير، فالأمة رباها القرآن على: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:١٥]، والذي عنده برهان وسلطان يمكن أن يطرحه، ويقول: هذا ما عندي، وأنتم: {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف:٤]، {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١]، هذا هو المنطق الذي ينبغي أن يسود في دعوتنا، ينبغي أن يسود في تربيتنا، ينبغي أن تتربى عليه الأمة حتى تكون أمة مستقلة واعية، هل من مصلحة الأمة أن تكون أمة يغيب عنها الوعي؟ أن تكون أمة مغفلة؟ أن تكون كالقطيع؟ إذا كنا كذلك فنحن نريد أن تكون الأمة (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء)، وما وصف الله عز وجل الأمة بأنها قطيع يسير وراء من ينعق به ويدعوه.