للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة معرفة صفات المربي]

أقول: إن التربية التي ننشدها ينبغي أن يكون لمن يقوم بها مواصفات وقدرات، فينبغي أن نفكر كثيراً، وأن نراجع أنفسنا، ونراجع أساليبنا في التربية، ونحن نرى وندرك الأخطاء يوماً بعد يوم، التي نرى أنها نتيجة للخلل في التربية وسوء التربية.

إن التعرف -أيها الإخوة- على صفات المربي ضروري؛ لنختار من يقوم بالتربية، فحين نريد اختيار فرد ليقوم ويتولى مسئولية التربية، وحين نريد أن نختار معلماً، أو نختار معلمة، أو نختار موجهاً يتصدى لتربية الناشئة وإعدادهم؛ ينبغي أن نتساءل كثيراً: ما الصفات التي تؤهله ليقوم بهذه المهمة، وليؤدي هذا الدور؟ إن الناس اعتادوا في وظائفهم في أمور دنياهم أن يطرحوا شروطاً ومواصفات لمن يتصدى لأي عمل وأي مهمة، فما بالنا بمن يتصدى لأكبر مهمة ووظيفة؟! إنها -لا شك- مهمة الرسل، فلقد أخبر الله تبارك وتعالى أنه أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أمته يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم، إنها وظيفة الأنبياء والمصلحين.

ومن ثم فنحن حين نختار من يتولى التربية ينبغي أن تكون لدينا معايير واضحة، وصفات محددة؛ لنرى هل تنطبق على هذا الشخص أم لا؟ أما حين تكون التربية ويكون التعليم وظيفة من لا وظيفة له، ومهنة من لا مهنة له؛ فهذا احتقار لشأن التربية، وهذا إيذان بإخراج جيل يعاني من المتناقضات، ويعيش في فوضى لا أول لها ولا آخر.

ثم إننا نحتاج إلى أن نتعرف على صفات المربي؛ وينبغي أن نكون كلنا كذلك، سواء أكنا آباء أم معلمين، أم كنا موجهين للناس هنا وهناك، فإننا نقوم بالتربية.

إننا -ونحن نقوم بالتربية- نشعر -ويجب أن نشعر- بالمسئولية العظيمة، والأمانة الملقاة على عواتقنا، هذه المسئولية -أيها الإخوة- لا تنتهي عند حد شعور الإنسان بالتبعة، بل لابد أن يسعى إلى إتقان العمل؛ فالله تبارك وتعالى أمرنا أن نتقيه ما استطعنا.

إنك إذا كنت تستطيع أن تتعلم، وأن تقرأ، وأن تفكر كيف تربي وكيف توجه؛ كان فعلك لذلك من تقوى الله في هذا العمل، وهذه الأمانة، وهذا الدور الذي تقوم به، فلست معذوراً حينئذٍ حين تخل بهذه الأمانة.

إن المربي الذي يشعر بالأمانة والمسئولية يشعر أنه بحاجة إلى أن ينمي نفسه، وبحاجة إلى أن يوجد في نفسه الصفات التي تؤهله لأن يقوم بهذا الدور، ويؤدي هذه المهمة خير أداء، ومن ثم فإن المربي نفسه يحتاج إلى أن يتعلم صفات المربي؛ حتى يسعى إلى تفقدها في نفسه، ويسعى إلى أن يحقق في نفسه ما كان يفتقد من هذه الصفات.

إننا نحتاج إلى أن نتعرف على صفات المربي حينما نفكر بالقيام ببرامج لإعداد المربين، وينبغي أن تعتني الأمة بذلك، وأن تعتني الصحوة بهذه القضية، بأن يكون لها برامج لإعداد من يتولى التربية، فالعالم كله لا يقبل اليوم في وظيفة التعليم ومهنة التعليم إلا من تحقق في نفسه شروط، ومن اجتاز خطة دراسية معينة يرى القائمون على المؤسسة التعليمية أنها تؤهله للتربية، بغض النظر عن نظرة هؤلاء للتربية، وبغض النظر عن سلامة منهجهم أو انحرافه، لكنهم يرون أن هناك إعداداً لابد أن يتلقاه من يقوم بالتربية.

ولهذا فحين نفكر في إعداد المربي لابد من أن نعلم ما نعطيه، وبما نخاطبه، وما هي الجوانب التي نرى أنه ينبغي أن نغرسها فيه؟ وإن هذا السؤال لن نجيب عليه إلا إذا تعرفنا على صفات المربي.

وإنما نحتاج إلى التعرف على صفات المربي؛ لأن مثل هذه الصفات بمثابة المحددات لسلوكنا، فحين نقول: إن هذه الصفة أو تلك ينبغي أن توجد في المربي؛ فإن هذا يعني أن التربية السليمة ينبغي أن تسير على هذا النمط وعلى هذا الأسلوب، وسيأتي -بإذن الله- مزيد بسط لهذه القضية.

إن هذه الأمور وغيرها تطرح بإلحاح ضرورة التعرف على صفات المربي والحديث عنها.