للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أصل الانحراف في حياة الأبناء]

السؤال

إذا كان الأب لا ينصح ولده، والولد ضائع في الشوارع مع أصحاب السوء، فهل هذا من صفات المربي؟ أم أن ذلك ضعف في التربية؟

الجواب

هذه الصورة من صور الإهمال، فالأب قد يشكو من ولده، وأن ولده ضائع، فتسأله: هل جلست يوماً من الأيام معه، وتحدثت معه بهدوء ووعظته؟ فيجيبك بقوله: (لا).

فنحن لا نعرف أحياناً من التربية إلا أسلوباً نخطئ فيه فقط، ولا نعرف التربية إلا عندما يقع المرء منا في الخطأ، فيشعر الأب بدوره في التربية، فهو لما يرى ابنه -مثلاً- ما صلى ينهاه ويزجره، ولما يرى ابنه وقع في الكذب يزجره، ولما يرى ابنه وقع في خطأ ينهاه، وهذا واجب شرعي على الأب، لكن قبل ذلك يجب أن تعظه أصلاً، وتربيه، وتغرس عنده الخير، ونسأل: هل بيوتنا الآن تغرس الإيمان، وتربي الإيمان عند الأبناء، أم أننا نشعر أن التربية فقط هي مجرد الأمر والنهي؟! إننا نقرأ في القرآن: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] هذه الوصايا العظيمة التي كان يوصي بها ابنه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من تحته، فقد علم الحسن دعاء القنوت صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه صلى الله عليه وسلم يعلمون من تحتهم، فمنهم من كان يجلس فيعلم أبناءه القرآن، ومنهم من كان يعلمهم المغازي ويقول: هذه مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، لقد كانت بيوت مليئة بالإيمان والعلم والتربية.

فقبل أن نسأل عن الانحراف يجب أن نسأل عن الأصل، فالقضية أن الأصل أن نبني ونوجه، ونغرس عندهم الحب، لا أن تكون التربية مجرد علاج أخطاء، فالتربية ليست علاج أخطاء، فحينما يقع في الخطأ قد لا تستطيع أن تعالجه؛ لأن الخطأ كان نتيجة إهمال وتقصير، حينما تكتشف أن الابن أو التلميذ أو فلاناً من الناس قد وقع في الخطأ، وصار عنده انحراف، فتأتي لتعالجه قد لا تستطيع، وتأتيني تستشيرني فأقول لك: يا أخي! ليس الأمر بيدي، كنت تملك الحل قبل أن يقع الخطأ، أما بعد أن يقع الخطأ فليس بالضرورة أن يكون ذلك في مقدورهم.

ولو شعر بذلك فلا ييأس، فينبغي للمربي -مهما كان خطأ الابن أو البنت- ألا ييأس، وأن يسأل الله له الهداية، وأن يجتهد في بذل الأسباب.