للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من ابتلاء الله تعالى للعباد بهذه الشهوة وجعلهم يميلون إليها]

وقد يسأل سائل أيها الإخوة! فيقول: لماذا يبتلي الله سبحانه وتعالى عباده بهذه الشهوة، وهو الرحيم بهم سبحانه وتعالى؟ ولماذا أودع الله عز وجل في عباده الميل لهذا الأمر، ثم نهاهم عن هذه المقارفة، ورتب على ذلك العقوبات الشديدة في الدنيا والآخرة؟ فنقول: إن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم، وهو سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، إننا حينما نتأمل في هذا الأمر نستطيع أن ندرك بعض أطراف حكمة الله سبحانه وتعالى من هذا الأمر، أعني: كونه ركب الشهوة في نفوس الناس، ثم نهاهم عن مقارفة الحرام، ورتب على ذلك خزي الدنيا ونكال الآخرة.

فندرك بعض الحكم ولا نستطيع أن ندرك جميع حكمة الله سبحانه وتعالى.

ومن الحكم في ذلك أيها الإخوة: بقاء الإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى ركب في نفس الإنسان هذه الشهوة؛ حتى يميل إلى النكاح، وحتى يميل الرجل والمرأة إلى النكاح، مما يساعد على التناسل وعلى بقاء الإنسان، وبدون ذلك لا يبقى نوع الإنسان.

أيها الإخوة! ومن أعظم الحكم في ذلك الابتلاء والامتحان، حين يكون طريق المعصية محبباً إلى النفس، ويكون طريق الطاعة شاقاً محفوفاً بالمكاره، وحينما يكون الأمر كذلك لا يسلك هذا الطريق -طريق الطاعة- ولا يجتنب ذاك الطريق -طريق المعصية- إلا من وفقه الله سبحانه وتعالى، ومن يملك الإيمان الحق والقناعة بهذا الدين، والإيمان الذي لا يتزعزع بما أعد الله سبحانه وتعالى لمن أطاعه، وبما توعد به من عصاه يوم القيامة.

فلا تظهر حكمة الابتلاء، ولا يظهر الصادق في إيمانه والجاد إلا حينما يكون طريق الخير محفوفاً بالمكاره، وطريق النار محفوفاً بالشهوات، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).

أيها الإخوة! ومن الحكم في ذلك: ظهور فضل أولياء الله سبحانه وتعالى الذين يطيعون الله عز وجل، والذين ينهون النفس عن الهوى، والذين يحفظون حدود الله وحرمات الله سبحانه وتعالى، فيدعوهم إيمانهم بالله عز وجل، ومحبتهم له، وخوفهم منه، ورجاؤهم لما عنده، يدعوهم ذلك إلى أن يجاهدوا أنفسهم، ويدعوهم ذلك إلى أن ينتصروا على شهواتهم ويستعلوا عليها.

وحين يغفلون عن أعين الناس يعلمون أن الله سبحانه وتعالى يطلع عليهم، وأنه محيط بهم، وحين لا يراهم أحد يعلمون أن الله عز وجل يراهم سبحانه وتعالى.

إذاً: أيها الإخوة! إن في هذا الأمر ظهوراً لفضل أولياء الله سبحانه وتعالى، وفضل عباده المتقين، الذين يحفظون حرمات الله عز وجل.