للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الزواج]

أول أمر ينبغي أن نفكر فيه سواء الآباء أو الأبناء: هو الزواج، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

والزواج هو الوقاية؛ فيه يستطيع الإنسان فعلاً أن يصرف شهوته ليس فقط فيما أحل الله له، بل بما يؤجر عليه كما قال صلى الله عليه وسلم لما قال: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بذلك أجر؟! قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في حلال فإن له أجراً).

فلابد أيها الإخوة -وأنا أوجه هذا الحديث للشباب- لابد أن نفكر تفكيراً جاداً في الزواج، فلماذا نؤخر الزواج إلى هذا الوقت؟! لماذا يتأخر الشاب؟ لماذا يسوِّف؟ وعندما تتحدث عن الزواج يتصور الشاب أنه ليس مخاطباً بهذا الحديث، عندما نتحدث عن الزواج المبكر يتصور الشاب أن المخاطب بهذا الحديث من بلغ سن الثلاثين أو سن الخامسة والعشرين، أو من مضى على تخرجه أربع أو خمس سنوات.

ومن أين نشأ لنا أن الشاب لا يتزوج إلا بعد أن يتخرج؟ الله عز وجل يقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢]، فإذا كانت القضية قضية المصروفات المادية فقد تكفل الله عز وجل لك بها، الذي {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:٥٦]، والذي يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:٢٢].

فلا يصح أن نتأخر يا إخوة في الزواج بحجة أننا لا نستطيع الإنفاق، وأن الزواج يتطلب تكاليف مادية، أبداً، ولذلك كان يقول ابن مسعود رضي الله عنه: التمسوا الغنى بالنكاح.

يعني: من أراد الغنى فليتزوج، وقد أخذها من قوله عز وجل: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢].

ويقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم، ومنهم: الناكح يريد العفاف).

فإذا استطاع الشاب أن يجد مهر الزواج وتكاليف الزواج فلا عليه بعد ذلك مما بعد الزواج، وأما قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣] فهو في الذين لا يجدون نفقة في الزواج ابتداءً، والذي لا يجد المهر وتكاليف الزواج، فإذا استطاع أن يأتي بتكاليف الزواج من هنا وهناك فلا عليه أن يفكر فيما بعد؛ فإنه قد تكفل عز وجل به.

أخي الشاب! أيما أهم عندك، وأيما أنت أحوج له: أن تعف نفسك، وتحفظ نفسك، وتعيش في ذاك الجو الساكن، {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١]، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧]، جو زواجة وطمأنينة، وسكينة، ورحمة، والذي يعيش الشاب فيه الاستقرار النفسي، والاطمئنان، والحياة الحقيقية فعلاً لا يعيشها الشاب إلا بعد الزواج.

والشاب الأعزب الآن لما يقرأ حقوق الزوجية، ولما يقرأ الآيات من حقوق الزوجية يحس أنه غير مخاطب بمثل هذه النصوص، لما يقرأ قول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١]، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧].

فلماذا نفرط في حماية النفس وسعادة الدنيا؟ (وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)، فينبغي أن نفكر ونبادر، وأيضاً للأسف كثير من الآباء يحتج بأنه لا يملك النقود، ولا يستطيع تكاليف الزواج، وقد تجده يشتري لوالده سيارة بمبلغ لو وفر هذا المبلغ للزواج لحفظ ولده، فتجده يندم ويعظ أصابع الندم عندما ينحرف ابنه، وعندما يهوي ويضل ابنه، وحينئذٍ يتمنى أنه بادر في مثل هذا.