للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعتبار عدم النجاح في تحقيق هدف ما دليلاً على انحراف المنهج

الخطأ التاسع والأخير: اعتبار عدم النجاح في تحقيق الهدف دليلاً على انحراف المنهج.

لا شك أيها الإخوة أن الداعية إلى الله تبارك وتعالى حين يرى أن هذه التجربة أو تلك لم تنجح فإن ذلك يدعوه إلى أن يعيد النظر في نفسه، وأن يعيد النظر في اجتهاداته، وأن يعيد النظر في آرائه، ولا شك أيضاً أنه وهو يقرأ تجارب الآخرين من السابقين واللاحقين الماضين والذين يعيش معهم، لا شك أنه حين يقرأ تجارب من سبقه وعاصره يرى أن هناك تجارب لم يكتب لها النجاح، فيدعوه هذا إلى المراجعة، ويدعوه إلى أن يفتش عن أسباب؛ لأن الفشل له أسباب، لكن هل فشل فلان من الناس يكون بالضرورة سببه الانحراف في المنهج؟ قد يكون ذلك، فالمنهج المنحرف لن يكتب له النجاح، لكن ليس هذا بالضرورة فقد تكون هناك أسباب أخرى أدت إلى ذلك، منها تقصيره في الأخذ ببعض الأسباب المادية.

إن الله تبارك وتعالى أمرنا بأخذ القوة وأخذ العدة، وأن نتقيه ما استطعنا في كل شيء، قد يكون الإنسان على منهج صحيح، وعلى منهج سديد مستقيم لكنه يفرط في بعض الأسباب وبعض القضايا المادية التي ينبغي له أن يأخذ بها كما أمره الله تبارك وتعالى؛ فيفشل عمله أو يصاب بنكسة نتيجة إهماله وتفريطه، فهو هنا لا شك أُتي من تقصيره، لكن منهجه ليس منهجاً منحرفاً، ولا يسوغ أن نعود بعد ذلك لنقول: إن فشله في تحقيق هدفه دليل على انحراف منهجه، وقد يكون أيضاً فشله وعدم نجاحه عائداً إلى نوع من الخلل في نيته، قد يكون على منهج صحيح ومنهج سليم في الجملة، ولم يقرر باطلاً ولا بدعة، لكن قد يدخله في العمل بعض حظوظ النفس وبعض الرغبات الشخصية، وهنا قد لا يكتب له النجاح لعدم تحقيق تمام الإخلاص، فلا يدعونا هذا إلى أن نخطئ المنهج، نعم هو إنما أتي من عند نفسه، لكنه أتي من قضية النية، وأما المنهج الذي سلكه في الجملة فهو منهج سليم، فلا يسوغ أن نرفض منهجاً لأنه لم ينجح.

وقد يكون في الأمر ابتلاء وامتحان، والله تبارك وتعالى يبتلي عباده المؤمنين، أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد) فهل يسوغ أن نتهم هذا النبي الذي لم يستجب له إلا رجل أو رجلان رغم أنه استمر دهراً طويلاً في الدعوة، هل يسوغ أن نتهمه بأنه منحرف في المنهج بدليل أنه فشل في تحقيق الهدف الذي سعى إليه؟ هل يسوغ أن نتهم نوحاً عليه السلام -الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً- بأنه منحرف في منهجه بدليل أنه خلال هذا الدهر الطويل لم يؤمن معه إلا قليل؟ لا يمكن أن يجرؤ مسلم أن يقول هذه المقولة، إذاً فالأمور لها عوامل أخرى.

ونموذج آخر: أصحاب الأخدود حين جاء ذاك الغلام الذي حكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصته، وهدى الله عز وجل على يديه وزير الملك وجليسه، وهدى على يديه الكثير من الناس، ثم أخذ جليس الملك وشق بالمنشار نصفين كما أخبر صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ الراهب وقتل، كل ذلك بسبب استجابتهما للغلام وبسبب دعوة الغلام، فهل يمكن أن نتهم هذا الغلام بأنه منحرف في المنهج؛ لأنه قاد هؤلاء إلى هذه النهاية، بل إنه قاد كل أولئك الذين آمنوا بالله إلى أن يحرقوا بنار الدنيا؟ وهل حرق أولئك جميعاً وقتلهم يعني أنهم قد فشلوا، وأن هذا الغلام مسئول عن تلك الدماء التي أريقت؟ لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذه البقعة المباركة ودعا إلى الله تبارك وتعالى فآمن به من آمن، واتبعه من اتبعه صلى الله عليه وسلم، وتعرض المسلمون لما تعرضوا له من التعذيب والإيذاء والفتنة، فمنهم من قتل، ومنهم من بلغ به الأذى ما بلغ، ومنهم من هاجر إلى الحبشة وتغرب، ومنهم من هاجر إلى المدينة حتى كان كما قال أولئك: فرق بين الرجل وزوجه، وفرق بين الابن وأبيه، وحتى التقى الابن مع أبيه بسيفيهما في غزوة بدر، وحتى قاتل الأخ أخاه، هل يمكن أن يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته هي السبب فيما أصاب سمية، أو هي السبب فيما أصاب ياسراً حين قتلا تحت التعذيب، أو هي السبب في اغتراب المسلمين وهجرتهم إلى الحبشة أو إلى المدينة أو في كل ما أصاب المسلمين؟ لا يمكن أن يقول ذلك قائل.

إذاً: لا يجوز أن تنسب هذه النتائج إلى الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، وأنهم هم المسئولون عنها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى خطوة أخرى وهي الاستشهاد بذلك على الخطأ في المنهج واتهام المنهج.

هذه أيها الإخوة بعض الأخطاء التي نقع فيها عند تقرير المنهج وتبيين معالمه، وأكرر ما قلت في بداية حديثي: إننا أحوج ما نكون الآن إلى محاولة الخروج برؤية واضحة يتفق عليها جميع أهل السنة حول الثوابت التي لا ينبغي لأحد أن يخالف فيها، بدلاً من الجدل واللغط والخصومة واللجاج، فتحرير معالم المنهج يضمن النجاة بإذن الله؛ ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولن تنجو إلا الطائفة التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتحديد معالم المنهج الوا