للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع ما ذكر في القرآن من هم يوسف بامرأة العزيز]

هناك وقفات حول القصة: وهي قضايا تحتاج إلى أن نوضحها ونقف حول ما ذكره المفسرون في هذه القصة ثم نعود بعد ذلك إلى قوارب النجاة والأمور التي استمسك بها يوسف عليه السلام فنجا.

أولاً: يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:٢٤] فهنا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه أن يوسف هم بالمرأة.

أما كونها همت به فهذه قضية واضحة لا إشكال فيها، ولكن الإشكال هنا أن يوسف عليه السلام هم بالمرأة، فما معنى الهم هنا؟ أقوال المفسرين كثيرة حول هذه القضية نشير إليها بإيجاز، ثم نختار بعد ما يظهر أنه يليق بمقام أنبياء الله.

هناك مقدمة لا بد منها، وهي: أننا نعتقد نزاهة أنبياء الله ونزاهة يوسف عليه السلام، ويوسف ما عرضه الله سبحانه وتعالى في هذه القصة؛ إلا أنه نموذج ومثل يحتذى، ولا ينبغي أن ننساق وراء الأقوال التي يذكرها بعض المفسرين والتي كثير منها منقول عن بني إسرائيل، وفيها أحياناً اتهام ليوسف، وفيها كما قال سيد قطب رحمه الله تصوير لا يليق بنبي الله عز وجل يوسف وقد أسرف بعض من تحدث في هذه القصة وأطال في ذكر الإسرائيليات أحياناً لا تليق بمقام أنبياء الله: ومن ذلك ما يذكره بعضهم أن أحدهم دعته أعرابية فامتنع فرأى يوسف في المنام فقال: من أنت؟ فقال: أنا يوسف الذي هممت وأنت لم تهم، فكأن مثل هذا يجعل نفسه أفضل وأعلى من منزلة يوسف عليه السلام، ومن أجمل ما قيل فيها ما قاله شيخ الإسلام، قال: هب أن يوسف قال هذا الكلام في اليقظة فإنه يقوله تواضعاً كما يقول المرء: فلان خير مني، ويقول: أنا ظالم لنفسي وأنا مقصر، ولكن مهما كان لا يمكن أبداً يكون مثل يوسف عليه السلام.

المهم: أننا عندما نقرأ في التفسير سواء حول هذه القصة أو غيرها يجب أن لا ننساق وراء بعض الإسرائيليات أو الروايات، وعلينا أن نقرأ مثل هذه الأمور ونتعامل معها بروح التقدير واعتقاد العفة والمنزلة العالية لأنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه.

هنا قيلت أقوال كثيرة منها: أنه هم بهذه السيئة ولم يعملها حين حدثته نفسه لكنه لم يعمل ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من هم بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة كاملة) وقالوا: فالهم هنا مثل الصائم يرى الماء البارد فهو يحدث نفسه أن يشرب الماء البارد لكنه لا يقدم على ذلك؛ مخافة من الله سبحانه وتعالى، وقالوا: فهذه حسنة يثاب عليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب السيئات والحسنات فمن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة).

ويقول شيخ الإسلام: إن الله عز وجل لم يذكر عن أي نبي من أنبيائه أنه وقع في معصية إلا وذكر أنه تاب منها واستغفر منها فهو هنا لم يذكر أن يوسف تاب واستغفر، وهذا دليل على أنه لم يقع منه أي معصية.

القول الثاني: قالوا: أنه هم بضربها.

القول الثالث: أنه حدث نفسه أن تكون زوجة له، فإنه لما رأى جمالها ومنصبها قال: ماذا لو كانت هذه زوجة لي.

الذي يقول هذه الأقوال يعتقد أن يوسف عليه السلام بعيد عن كل هذه الأمور ويحاول أن يدافع عنه وينزهه، فيحاول أن يجد مخرجاً يلجأ إليه.

وهناك قول آخر ذكره أبو حيان واختاره الشنقيطي في أضواء البيان وأطال في استظهار هذا القول، قال: إن يوسف لم يقع منه الهم أصلاً؛ لأن الله عز وجل قال: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:٢٤] و (لولا): حرف امتناع لوجود، فهو هنا قد امتنع منه الهم؛ نظراً لأنه رأى برهان ربه، وكأن الكلام فيه تقديم وتأخير فيكون: ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، مثل قول الله عز وجل: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص:١٠] فهي لم تبد به أصلاً لأن الله ربط على قلبها، فحينئذ يقول: إن يوسف لم يهم أصلاً لأنه رأى برهان ربه، وهو قول له وجاهته كما ذكر أبو حيان وكما ذكر الشنقيطي ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى أضواء البيان.

وفعلاً: عندما تتأمل في هذا القول تجده قوياً ووجيهاً فهو نظير قول الله عز وجل: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص:١٠]، فهي لم تبد به أصلاً؛ لأن الله قد ربط على قلبها وحينئذ يكون يوسف عليه السلام لم يهم؛ لأن قد رأى برهان ربه.

ولو لم يصح هذا القول فإن القول الآخر الذي لا ينبغي خلافه هو أن يوسف عليه السلام حدثته نفسه كما تحدث نفس الإنسان في أي معصية لكنه لم يفعل شيئاً.

أما ما يذكرونه من أنه قعد منها مقعد الرجل من امرأته ثم رأى صورة يعقوب ثم أقدم، ثم رأى كفه ثم أقدم، حتى دفعه جبريل بيده كما قال سيد رحمه الله، قال: يخيل يوسف قد بلغ منه الشهوة والاندفاع لحد أنه لا يمتنع حتى يدفعه جبريل عليه السلام، هذه قضية أب