للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة حول العنوان]

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد.

فعنوان هذا الدرس كما تعلمون جميعاً: (وأنكحوا الأيامى منكم)، وهو الدرس المتم للعشرين من هذه الدروس التربوية التي تلقى في هذا الجامع جامع السالم، وهو في هذه الليلة ليلة الأحد الثامن من شهر شوال عام ١٤١٤للهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وحديثنا في هذا الدرس سيدور حول العناصر الآتية: أولاً: وقفة حول العنوان.

ثانياً: من منافع الزواج.

ثالثاً: السلف والزواج.

رابعاً: الفقهاء والزواج.

خامساً: غيرنا والزواج.

وأخيراً: ماذا نجني من الزواج المبكر؟ وآثرنا أن نزاوج بين العناصر، فالعنوان حول النكاح والعناصر تأخذ عنوان الزواج، وكلاهما مصطلحان معروفان مشهوران.

الوقفة الأولى حول العنوان والتعريف بموضوع المحاضرة، ولمن يوجه الخطاب فيها؟ لعل ما يستوقفنا في العنوان هو كلمة (الأيامى)، والأيم في اللغة وفي هذا العنوان الذي هو جزء من آية كريمة: هو من لا زوج له سواء كان ذكراً أو أنثى، سواء كان قد تزوج قبل وطلّق أو أُرمل، أو لم يتزوج، فكل من لا زوج له ذكراً كان أو أنثى، بكراً كان أو ثيباً فهو أيّم.

قال ابن سيده: الأيّم من النساء التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً، ومن الرجال الذي لا امرأة له، وهو كما قلنا يطلق على الذكر والأنثى، وإن كان الغالب في الاستعمال أنه للأنثى، والدليل على أنه يُطلق على الذكر قول الشاعر: فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي يد الدهر ما لم تنكحي أتأيمُ فأطلق التأيم هنا على نفسه وهو رجل مما يدل على أنه يُطلق على الذكر والأنثى.

وأيضاً: استعمل ابن القيم هذا المعنى للذكر، وإن كان كلام ابن القيم كما تعرفون ليس حجة في اللغة؛ لأن ابن القيم كان بعد عصر الاحتجاج، يقول في قصيدته الميمية المشهورة: وكن أيّماً مما سواها فإنها لمثلك في جنات عدن تأيم ونحن يهمنا بيان أن الأيّم يُطلق على الذكر والأنثى؛ لأن هذا يعني أن الرجال والنساء مخاطبون بهذه الآية الكريمة.

إذاً نقرر معنى الأيّم والمقصود به، فموضوعنا يدور حول التحريض على النكاح والترغيب فيه، وبيان محاسنه وفضائله، ومنزلته من دين المسلمين، وهو خطاب يعني شرائح شتى فهو يعني الأيّم سواء كان رجلاً أو امرأة بدرجة أولى وأساس؛ لأنه هو صاحب القضية، وما لم يحمل قضيته ويُعنى بها فلن يهتم به غيره، وهو يعني الأولياء وهم كثيراً ما يقفون عقبة دون تحقيق هذا الأمر الإلهي الذي خاطب الله عز وجل به المسلمين جميعاً: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:٣٢] وهو أيضاً يعني المجتمع كله، فإن الخطاب في هذه الآية كما أنه خطاب للأولياء فهو خطاب للمجتمع أن يأخذ على عاتقه إنكاح الأيامى، وأن يأخذ على عاتقه تذليل العقبات والعوائق التي تحول دون تحقيق وتطبيق هذه السنة الشرعية التي هي بمنزلة ومكانة عظيمة من دين الله عز وجل كما سيأتي بيانه.

إذاً فالموضوع يعني هذه الطبقات جميعاً، أما ما يتعلق بالعوائق والعقبات التي تقف فعلاً أو تُفتعل ضد التعجيل بالزواج والنكاح فقد كانت النية التعريج عليها في هذا الدرس، ولكن طال الموضوع وشعرت أن الوقت لا يتسع للحديث عن هذه العوائق، فلعلي أفردها بمشيئة الله بحديث خاص، وقد لا يكون في هذا الدرس، قد يكون مما يُلقى خارج الرياض، ويمكن للإخوة أن يستمعوا إليها إن شاء الله فيما بعد.