للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراعاة هدي السلف في التعامل مع الأستاذ]

هناك قضايا مهمة لابد من أن يعتني بها الطالب في التعامل مع أستاذه، فالأستاذ يشكل عنصراً أساسياً يتعامل معه الطالب في المدرسة، ومن هنا كان لابد أن يكون هناك ضوابط معينة تحكم علاقة الطالب بأستاذه، والسلف قد عنوا بذلك كثيراً في كتبهم، سواء من كتب في فضل العلم، أو من صنف كتاباً عاماً، بل بعضهم أفرد هذا الباب بتصنيف خاص، ألا وهو ما يعرف عندهم بآداب العالم والمتعلم، وعندما يتحدثون عن آداب المتعلم، فإنهم يفردون جزءاً خاصاً لآداب المتعلم مع شيخه وأستاذه.

والمفترض أن الشباب والطلاب يعتنون بهذا الأمر، فيقرءون ما سطره السلف حول ما ينبغي أن يتأدب به الطالب مع شيخه، ويحرص قدر الإمكان على أن يتخلق ويتأدب بتلك الآداب، وفي الواقع أننا عندما نقرأ ما سطره السلف حول آداب الطالب مع شيخه وأستاذه، ثم ننظر إلى واقع طلاب العلم نجد أن هناك مسافة شاسعة جداً بين الحالة التي يرى السلف أن الطالب ينبغي أن يصل إليها من الأدب مع أستاذه، وبين الواقع المعاصر الآن لهؤلاء الشباب.

وقد يقول بعض الشباب: إن السلف كانوا يدرسون على علماء، ولا يمكن أن تقارن أساتذة السلف ومشايخ هم بأساتذتنا ومشايخنا، وهذا حق ولا شك، لكن المقارنة تعقد بين الطلاب أيضاً، فقد كان الطلاب في عهد السلف فئة تختلف عن الطلاب في هذا العصر.

قد يقول بعض الشباب: إن هذه الآداب إنما ذكرت لعلماء السلف ومشايخ السلف، وقد كانوا يختلفون كلية عن أساتذتنا، وهذه قضية لا نجادل فيها، لكن أيضاً أعقد نفس المقارنة بين الطلاب وواقع الطلاب وحالهم في عصر السلف وحالهم الآن، تجد أن القضية تكاد تكون بعد ذلك متقاربة.

ونحن أيضاً لا نطالب الشباب بأن يطبقوا كل ما يقرءونه هناك؛ لأنه قد يجد أشياء يفاجأ بها نظراً لبعده عنها، فيتصور أنها من المبالغات، لكن على الأقل أنت عندما تقرأ ما سطره السلف في ذلك، وتقارن حالك بالصفات التي كانوا يرون أن الطالب لابد أن يتحلى بها، أظن أن هذا يدعوك إلى أن تنتقل نقلة أخرى بعيده في حسن التعامل والتوقير لأستاذك.

والسلف ما عنوا ببيان آداب المتعلم مع أستاذه إلا أن له أهمية، وللأسف نجد أن هذا مهمل، فنجد أحياناً أشياء عامة لابد للطالب أن يتأدب بها مع أستاذه وشيخه، ولابد أن يتأدب بها مع العلماء إذا كان يحضر معهم حلق العلم في المساجد وغيرها، وهي أشياء عامة وأمور عامة.

لكن أن تؤصل وتعرض النماذج والأمثلة التي ذكرها السلف، فهذا لا شك يساعد أكثر، ولا أريد أن أطيل في هذه النقطة، لكن بإمكانكم الرجوع إلى ما سطر في ذلك، ولعل أفضل ما سطر في ذلك كتاب الحافظ ابن جماعة، وهو بعنوان: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، ذكر في هذا الكتاب أدب العالم وأدب الأستاذ، وما ينبغي للأستاذ أن يعامل به طلابه، فعليك أنت بالشق الثاني وهو أدب المتعلم، فإنه ذكر أدب المتعلم مع نفسه، ثم أدب المتعلم مع أقرانه، وأخيراً الذي يعنينا، وهو أدب المتعلم مع شيخه وأستاذه.

إذاً: الجانب الأول الذي ينبغي أن يحرص عليه الشاب هو أن يراعي في هذا الأمر هدي السلف في التعامل مع أساتذتهم ومشايخهم.

وقد يكون عند بعض الأساتذة نوع من القصور في العلم بطبيعة المادة التي يدرسها، وهذه حالات خاصة، وأحياناً يكون عند الأستاذ مخالفات شرعية مما ابتلي به عامة المسلمين وانتشر بينهم، وأصبح أمراً لا يكاد ينكر، فنحن لا نشك ولا نجادل أن الأستاذ أولى الناس بأن يكون قدوة صالحة للطلاب، سواء في التزامه بالأحكام الشرعية في الأمور الظاهرة أمام طلابه، أو في تعامله مع طلابه، فهو يدعوهم إلى حسن الخلق ولابد أن يكون حسن الخلق، ويدعوهم إلى الصبر ولابد أن يكون صبوراً، وإلى الحلم ولابد أن يكون حليماً.

لكن أقول: عندما تجد بعض هذه السلبيات والأخطاء التي يقع فيها بعض الأساتذة، فهذا لا يسقط حق الأستاذ في الأدب، والتعامل معه بالتوقير، وحسن المعاملة.

فإن هذا الأستاذ الذي قد يكون عنده بعض المخالفات لا ينظر إليك على أنك شاب ملتزم ومستقيم، وهو منحرف عاصٍ ضال، وأنت أولى منه وأفضل، إنما ينظر إليك على أنك لا زلت طالباً، ولا زلت صغير السن، ومهما كان عندك من الاستقامة والعلم والخير فأنت لا زلت دونه، وهذا في الجملة واقع، ثم هو ينظر إلى نفسه على أنه إنسان لا ينقصه الخير والصلاح، لكن عنده بعض المخالفات التي يرى أنه يقع فيها لسبب أو لآخر، فهو يعاملك بهذا المنطق.

ومن هنا يفترض أن تكون حسن الخلق، وأن تكون حسن المعاملة، وأن يرى منك الأدب الحسن، لذا أقول: حتى ولو كان عند الأستاذ ما عنده من التقصير، أو المخالفات التي أصبحت ظاهرة عامة في المجتمع، فهذا لا يسقط حقه في التعامل معه بتوقير واحترام وتقدير، على أساس أنه أستاذ لك، وهو على كل حال أقدر منك علماً وتجربة، ولابد أن تستفيد منه.

ونحن لم نقل لك: اتبعه في كل شيء، أو اقتد به في كل شيء، بل عندما يكون عنده مخالفات لا نطالبك بأن تقتدي بها، وليس أحد معصوماً تصدر الأمة عن رأيه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أع