للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوارب النجاة]

بعد ذلك ننتقل إلى نقطة أخرى وهي: قوارب النجاة.

ما هي الأمور التي تمسك بها يوسف عليه السلام فكانت بعد توفيق الله عز وجل سبباً لحمايته ولنجاحه في هذا الابتلاء: أول أمر: الورع والخوف من الله عز وجل: والخوف من الله سبحانه وتعالى هو العاصم بإذن الله عز وجل من الوقوع في أي معصية وأي فاحشة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وذكر منهم قال -: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله).

الإنسان قد تدعوه المغريات قد يأمن عقوبة الدنيا قد تكون هناك أمور كثيرة تدعوه إلى مواقعة المعصية، لكنه عندما يعلم أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه فحينئذ لا يمكن أن يتجرأ على هذه المعصية: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:١٢] {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:٣١ - ٣٣].

فإذا أردت النجاة من معاصي الله سبحانه وتعالى صغيرها وكبيرها فرب في نفسك الخوف من الله سبحانه وتعالى، واحرص على تحصيل هذه العبادة، واحرص على أن تملأ قبلك من الخوف من الله سبحانه وتعالى وخشيته، حينئذ هذا أعظم رادع ومانع وحاجز للمرء عن الإقدام على معصية الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: توفيق الله وإعانته، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:٢٤] فإنه لو لم ير برهان ربه لهم بها.

ويقول الله عز وجل أيضاً في الآية الأخرى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:٢٤] وتأمل هذا المعنى، فإن الله لم يقل: لنصرفه عن السوء والفحشاء بل قال: لنصرف عنه السوء والفحشاء، فكأن السوء والفحشاء صرفت عنه، وهذا أبلغ، وهو من تمام توفيق الله عز وجل وحفظه له؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك) فحينما يحفظ الله سبحانه وتعالى يحفظه الله عز وجل، وأتم حفظ الله سبحانه وتعالى لهذا العبد أن يحفظه في أمور دينه، وأن يعصمه من الوقوع في المعصية والفحشاء.

الأمر الثالث أيضاً: الفرار من أسباب المعصية، فيوسف عليه السلام خشي الله سبحانه وتعالى وخافه، ورأى برهان ربه، ومع ذلك ما وقف بل فر، {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} [يوسف:٢٥] فرأى أنه مع خوفه من الله ومع خشيته من الله عز وجل، ومع امتناعه لم يبق في هذا المقام، بل رأى أنه لا بد أن يفارق مكان المعصية وأسباب المعصية.

وهذه قضية مهمة في علاج مثل هذا الداء، وهي أن ترك المرء دواعي المعصية، وأن يفعل كما فعل يوسف عليه السلام، حيث وصل به الأمر إلى أن يجري وتجري المرأة وراءه كل يريد أن يدرك الباب قبل صاحبه (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) فلا تثق بنفسك وتقف! بل أغلق على نفسك أبواب المعصية، وهذا من تمام اعتماد المرء على الله سبحانه وتعالى وتمام تخليه عن الحول والطول، وشعوره بأنه لا يمكن أن يستغني عن الله سبحانه وتعالى كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين) فإنك إذا وكلك الله إلى نفسك لا يمكن أبداً أن تنجو.

وكلما ازداد المرء توكلاً على الله سبحانه وتعالى وأخذاً بالأسباب وتفويضاً إليه سبحانه وتعالى كان ذلك أولى أن يحفظه الله سبحانه وتعالى ويعينه.

الأمر الرابع: الدعاء، دعا الله عز وجل فقال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:٣٣]، سأل الله أن يصرف عنه كيدهن، وتبرأ إلى الله من كل حول وطول (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فإذا كان يوسف عليه السلام لا يستغني عن توفيق الله وإعانة الله فغيره من باب أولى.

فالدعاء هو سلاح المؤمن، وهو الوسيلة التي يتصل بها المرء بالله سبحانه وتعالى، ومن هنا يخاطب الله عز وجل عباده: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حدي