للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الالتزام لا يبرر المعاصي]

حين تتحدث مع أحد الشباب غير الملتزم عن المعصية أو عن الطاعة يفاجئك بهذه الكلمة: إنني لست ملتزماً.

فيتصور أن عدم التزامه يعني أنه مخاطب بأحكام خاصة، وبتكاليف خاصة.

فنقول ابتداءً: إن كون الإنسان غير ملتزم، أو كونه يخل بشعائر ظاهرة من شعائر الإسلام؛ حتى يبقى مظهره لا يدل على الاستقامة والصلاح، لا يعفيه مما يجب على آحاد المسلمين، فهو مسلم يجب عليه ما يجب على المسلمين، وهو مسلم مخاطب بكل التكاليف الشرعية، وبكل النصوص الشرعية.

إنه يتخيل أحياناً أنه ما دام غير ملتزم، فينبغي ألا يوجه له هذا الخطاب، وينبغي أن يكون في مندوحة أن يقال له هذا الكلام، لأنه يظن أن هذا الكلام إنما يقال للناس الملتزمين، ويقال للأخيار، ويرى أنه لا يستحق أن يوجه له هذا الكلام، إنه ينبغي أن يخاطب بكلمة واحدة فقط لا غير، وهي: تب إلى الله عز وجل، وتخل عن طريق الإعراض والغفلة، وكن سائراً مع ركاب الصالحين والملتزمين.

وهذا لا شك خطاب وكلمة لابد أن تقال، وهي أساس ومبدأ حديثنا، وحولها ندندن، ولكن مع ذلك يبقى لنا حديث آخر، فمثلاً: هذا الشاب عندما تطالبه بطاعة من الطاعات، وهب أنها من النوافل، فتقترح عليه أن يصوم يوم الإثنين، أو يصوم يوم الخميس، أو يقوم ليلة من الليالي، أو يصلي النافلة، فيفاجئك ويقول: لست ملتزماً.

ويتخيل أنه ما دام كذلك فلا ينبغي له أن يخادع نفسه، ويرى أن صيامه، أو تلاوته لكتاب الله عز وجل، أو قيامه لليل، أو قيامه بأي عمل صالح إنما هو من المخادعة والنفاق، بل تراه مثلاً حينما يرى زميلاً له يقع في خطأ من الأخطاء، أو يعرف عنه ممارسة محرمة، أو عملاً سيئاً، ويراه يعمل طاعة من مثل هذه الطاعات، فإنه يتهمه بالنفاق والمراوغة والمخادعة، إلى غير ذلك.

إنه منطق عجيب، فلماذا كانت هذه المعاصي التي وقعت فيها مانعة لك من تلك الطاعات، نعم إن هذه المعاصي تكبلك، وهذه المعاصي تثقلك وتجعلك تتكاسل عن الطاعة، وتجعل الطاعة ثقيلة عليك، لكن هذا شيء وكونك لا تعمل الطاعة شيئاً آخر، هذا شيء وكونك تعتقد أن عملك لتلك الطاعة يعتبر نفاقاً شيء آخر.

وهذه من الحيل الشيطانية، فالشيطان يسيطر عليك بهذا المنطق، وبهذا التفكير؛ حتى يحقق إنجازاً لا يستطيع أن يحققه حتى يغلق جبهة كاملة يمكن أن تستثمرها أنت في صراعك مع هذا العدو، فيقطع عليك الطريق عن كل طاعة من الطاعات يمكن أن تقوم بها؛ بحجة أنك لست ملتزماً، وما دمت لست ملتزماً فينبغي ألا تعمل هذه الطاعات، وعملك لهذه الطاعة يعتبر مخادعة ويعتبر نفاقاً.

في أي كتاب أم بأية سنة؟ ومن أين حصلنا على مثل هذا الاقتناع؟ لست أدري! إنها قناعة لا تقبل الشك عندك، ولا يمكن أن تناقش فيها، والدليل على ذلك -كما قلت قبل قليل- أنك حين ترى زميلك أو أخاك يعمل ذلك تتهمه بالنفاق والمخادعة؛ لأنك رأيته يسمع الغناء، والذي يسمع الغناء لا ينبغي -مثلاً- أن يصلي الراتبة، والذي يسمع الغناء لا ينبغي أن يصوم النفل، وهكذا، الذي يقع في مثل هذه المعاصي لا ينبغي له أن يعمل تلك الطاعات، وإذا عملها عد منافقاً.

إنك لا زلت مسلماً شأنك شأن الآخرين، ويصدق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، ويصدق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من سائل فأعطيه سؤاله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟).

عهدتك لا تنام إلا قبيل الفجر، فها أنت مستيقظ في الثلث الأخير من الليل، فما رأيك لو طرحت عليك هذا الاقتراح؟ اقتطع من وقت السهر والسهرة التي تقضيها -وربما كانت على معصية الله عز وجل- نصف ساعة، واقضها في أن تصلي ركعتين لله عز وجل، أو أربع ركعات، وتتضرع فيها إلى الله عز وجل في سجودك، وتدعو الله سبحانه وتعالى أن يهديك ويعينك ويوفقك؛ لأني أجزم تماماً أنك تتمنى أن يهديك الله سبحانه وتعالى، وتتمنى اليوم الذي تودع فيه الغفلة، وتودع فيه المعصية، وتقبل على الله عز وجل.

فلعلك أن توافق باباً مفتوحاً من السماء فترفع لك فيه دعوة صادقة، ولماذا تحرم نفسك هذا الخير؟ فتستغفر وتتوب في هذه الساعة التي أنت أصلاً مستيقظ فيها.

إنك -أخي الكريم- أحوج إلى الطاعة من غيرك؛ لأنك تملك ركاماً هائلاً من المعاصي والذنوب، وأنت تراه كالجبل يوشك أن يهوي عليك، فأنت أحوج الناس إلى التخفف، وأنت أحوج الناس إلى التوبة، وأنت أحوج الناس إلى ما يكفر الذنوب، فما أحوجك إلى طاعة الله سبحانه وتعالى!