للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة التكامل والتوازن في التربية]

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: فهي فرصة طيبة أن نلتقي بالإخوة الكرام، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيبهم ويجزيهم خير الجزاء على ما تسببوا به من إحياء هذا اللقاء الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا فيه ممن يذكرهم الله سبحانه وتعالى فيمن عنده.

وهذا الموضوع -التكامل والتوازن في التربية- موضوع بائت، فقد كان ضمن سلسلة الدروس الشهرية في شهر ذي القعدة من العام المنصرم، ولكن حالت ظروفي الصحية دون إلقائه، وشاء الله عز وجل أن يكون من نصيبكم، ولئن كان الطعام لا يشتهى بائتاً وحين يبيت فإنه يأسن ويفسد، فأحسب أن الفكرة حين تبيت تصبح أكثر نضجاً ويصبح صاحبها أكثر اقتناعاً بطرحها.

وقديماً كان ابن النوام حين يطلب منه أن يخطب وهو لم يعد لخطبته كان يقول: لا أشتهي الخبز إلا بائتاً.

فأرجو ألا يكون من سوء حظكم وسوء وفائكم أن يكون نصيبكم هذا البائت، بل إن الفكرة البائتة أكثر نضجاً وأعمق أثراً.

معشر الإخوة الكرام! إن الحديث عن إنقاذ الأمة، وعن ضرورة رسم المنهج ذي المعالم الواضحة في إحياء الأمة وإنقاذها، حديث أحسب أنا قد تجاوزناه، وأحسب أنه أصبح من البداهيات لدى كل مسلم يشعر بواقع الأمة، ولدى كل مسلم يشعر بدوره في إنقاذ الأمة، لكن مدار النقاش والحديث حول المناهج ووسائل التغيير.

وأحسب أن الجميع أو أن الأغلب من قطاع الصحوة يوافقنا أن التربية ضرورة ملحة لغرس المعاني والتوجيهات الشرعية في صفوف الناشئة وعلى صعيد الأمة أجمع، وضرورة ملحة لغسل أوضار الماضي وآثاره السيئة، أن التربية ضرورة ملحة لإعداد الأمة لأن تكون أهلاً أن تحمل هذا الدين وأن تحمل هذه الرسالة، لا لهذه الأمة وحدها، بل للعالم أجمع، فقد اختار الله عز وجل هذه الأمة وأتمنها على هذه الرسالة للبشرية كلها فخصها الله عز وجل بخاتمة الرسالات وخاتمة الشرائع، وكانت أمة وسطاً خير أمة أخرجت للناس، شهيدة على الناس في الدنيا والآخرة، وهي حين تسعى للقيام بهذا الدور وأداء هذا الواجب فلابد أن تكون مؤهلة لهذه المنزلة.

ولا أظن أبداً -أيها الإخوة- أننا يمكن أن نبلغ هذا المستوى وهذه المنزلة، وأننا يمكن أن نرقع الخلل الذي تعاني منه الأمة من غير تربية، وأرى أنها تستحق منا الحديث الكثير عن ضرورتها، والمطالبة بها، والحديث عن المناهج التربوية والأخطاء التربوية، والحديث عن أساليب التربية، وأرى أن هذا الباب وهذا الجانب أمر ينبغي أن نعنى به جميعاً، لا على مستوى الصحوة فحسب، بل على كافة الطبقات والمستويات.

وهذا الموضوع موضوع شمولي يتحدث عن جوانب كثيرة، سواء أكانت جوانب فرديه أم كانت جوانب على مستوى الأمة، وسواء كانت جوانب تخص الفرد في حد ذاته أو كانت تتعلق بالأسرة ودور الأب ودور الأم، أو كانت تتعلق بالمؤسسات التربوية من المدرسة وغيرها من المحاضن التربوية، ونحن حين نتحدث هذا الحديث فإننا لا نعدو أن نذكر خواطر مجردة، وإلا فالحديث عن هذه القضية لا نستطيع أن نأتي عليه في هذه الأمسية.

ثانياً: حين نتحدث عن القضايا التربوية فنحن نطرح منهجاً ونظرية رأياً قد يكون قابلاً للصواب والخطأ، لكن هذا شيء وتطبيقه على آحاد الأفراد والأحوال شيء آخر، فنحن نتحدث عن أسلوب أو عن منهج أو عن برنامج، وهذا لا يعني بالضرورة أن زيداً من الناس أو عمرواًَ ينطبق عليه هذا الكلام أو ذاك، أقول هذا لأنه يحصل كثيراً أن الكثير من إخوتي الأساتذة والآباء والمربين يطبق ما تقول حرفاً بحرف على حالة يعيشها هو مع من يربيه، مع تلميذه أو مع ابنه، وقد تكون حالة فريدة لها اعتبارات خاصة، فحينئذ يشعر بنوع من عدم التوافق، بين ما يطرح ويسمع وبين ما يراه على أرض الواقع.

ثالثاً: التربية ليست مسئولة عن مشكلات لم تكن هي السبب في إحداثها وفي وقوعها، إنك مثلاً قد تجد البعض من الآباء يشكو لك مشكلة ابن من أبنائه أو بنت من بناته قد بلغ سن التكليف، واستعصى على التوجيه فلم يعد قابلاً للتربية، فيعرض عليك مشكلة ويطلب منك حلاً لهذه المشكلة، قد تجد حلاً وقد تنجح، لكن ينبغي أن نعلم أن هذه المشكلة لم تكن التربية هي المسئولة عن حدوثها، فهي تعكس إخلالاً، تعكس إهمالاً للتربية ابتداءً.

وهكذا حين يعرض عليك الأستاذ مشكلة يطلب منك حلاً لابد أن يتحقق على أرض الواقع، وحينئذ يراجع ويراهن على عدم صحة ما تقوله أو ما تطرحه، فنحن حين نتحدث عن التربية وحين نرى أن التربية كفيلة بإذن الله في تجاوز الكثير من المشكلات والعقبات، فهي ليست مسئولة عن حل مشكلات لم تكن هي السبب فيها ابتداءً.

إننا نفترض أن يتربى الشاب من صغره، بل من طفولته على أن يرعى هذا ال