للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة التكامل والتوازن في الحياة]

ثانياً: سنة الله عز وجل في الحياة التكامل والتوازن: فالجنون مثلاً يحصل نتيجة لعدم توازن القدرات العقلية والعصبية؛ ولهذا يقال عن المجنون: إنسان غير موزون، والصرع العضوي من أسبابه زيادة الكهرباء في دماغ الإنسان، وفقر الدم أو ضعفه يحصل نتيجة عدم توازن الكريات البيضاء والحمراء في الدم، ثم إن زيادة سائل الأذن قد يتسبب في الإغماء لدى الإنسان.

هذه بعض النتائج التي يخلفها عدم التوازن لدى الكائن البشري، وهناك عشرات الأمثلة الأخرى على ذلك.

أما نتائج عدم التوازن في الكون والحياة فأكثر من أن تحصر، فإن تغير نسبة الأكسجين في الهواء تجعله ملوثاً وقد تجعله سماً قاتلاً، وتغير المعادلة المتوازنة في دوران الأرض والشمس والأفلاك ينتج عنه كثير من الأمور أقلها اختلال انتظام الليل والنهار وتعاقب الفصول، وما يؤدي ذلك من أضرار على الإنسان والحيوان والحياة بكاملها، وحتى ما يصنعه الإنسان من آلات وما يشيده من بنايات فجميعه محكوم بقاعدة التوازن، وأي خلل في المقادير والمعايير يتسبب بنتائج خطيرة ومأساوية.

وجوانب الشخص نفسها حين لا تكون متوازنة ولا متناسقة فإنها تخرج إنساناً غير متناسق، فجمال الوجه مثلاً في توازن نسبي بين حجم الأنف والعينين والفم والرأس، بحيث لو اضطربت هذه النسب لكانت صورة مشوهة أو هزيلة أو ناقصة، وقيمة الطعام تكمن في مختلف عناصره الغذائية، بحيث تتحقق النسبة المتوازنة لسلامة الجسم من مختلف الدهون والسكريات والأملاح والمعادن والفيتامينات إلى غير ذلك، والحديث في هذا يطول.

المقصود: أن الحياة قائمة على التوازن، وأن الإخلال في التوازن حتى في المظهر الجمالي أمر يدعو الناس إلى النفور.

إن البناء -مثلاًً- حين تزيد فيه نسبة الأسمنت على نسبة الحجارة التي توضع معه فإن هذا يحصل منه خلل، وحين تقل نسبة الحديد أو تزيد فإن هذا الأمر أيضاً يكون غير متناسق، بل حين يسعى الإنسان إلى أن يجمل منزله مثلاً فيبالغ في هذا الجمال، أو يجعله بصورة غير متوازنة يصبح أمراً مرفوضاً، ونقرأ الحديث عن توازن هذا الكون في القرآن، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢]، ويقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩]، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:٦٥]، {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠]، {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:٣ - ٤].