للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إزالة الحواجز الموضوعة بين الصالحين وغيرهم]

الصفحة السادسة والعشرون: لماذا هذه الحواجز؟ لماذا هذا العداء المفتعل وهذه الحواجز المصطنعة بينك وبين الأخيار؟ نرى الآن حواجز وحدوداً بين هذا الشاب وبين الناس الأخيار، فإذا نظر بعضهم إلى بعض فإنه ينظر شزراً، فلا يسلم عليهم، وإذا حصل السلام فيكون سلاماً -كما يقول الناس-: روتينياً، وأما مشاعر المودة وتبادل الحديث إلى غير ذلك فكل هذا قد لا يوجد.

قد تقول أنت: إن السبب هم الأخيار، وكثيراً ما يقال هذا الكلام، فيقول هذا الشاب: الأخيار لا يسلمون علي، والأخيار يفرضون حواجز وعندهم استكبار إلى غير ذلك، فأقول له: إنه من السهل جداً أن تحمل الآخرين المسئولية، فأنت الآن طرف في المشكلة فمن السهل أن تحمل الآخرين المسئولية كاملة، لكن بقي طرف آخر في القضية ومن العدل والمنطق دائماً أنك ما تحكم بين شخصين إلا عندما تسمع منهما جميعاً، ولهذا يقولون: إذا أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى تسمع من الخصم الآخر؛ فقد تكون فقئت كلتا عينيه.

يعني: يأتيك رجل ويقول: هذه عيني مفقوءة، فلعل الآخر فقئت كلتا عينيه، فانتظر حتى تسمع منه.

فكونك تحمل الآخرين المسئولية هذا منطق سهل، مثلاً: عندما يرسب الطالب من السهل أنه يحمل الأستاذ المسئولية، وعندما يفصل الموظف نتيجة الإهمال، أو يخصم عليه: من السهل أنه يحمل رئيسه المسئولية، وهكذا من السهل على كل إنسان أنه يحمل الآخرين المسئولية، بل أنت مثلاً: لو تلتقي بالمسجونين فإنك تجدهم يتحدثون عن تجاوز القضاة وتجاوز الشرطة والهيئات، فيحمل الآخرين المسئولية.

الأمر الثاني: أن العلاقة ما هي من طرف واحد وإنما هي علاقة تبادلية مشتركة، فأنت عندما تقول لي: هو ما يسلم، فإنه أيضاً يقول لك: وأنت ما تسلم، فالقضية ما هي من طرف واحد، فلماذا أنت تطالب فقط من طرف واحد؟ فالقضية الآن قضية مشتركة تحتاج إلى تنازل منك أنت وتنازل منه هو، وإلى مبادرة منك أنت ومبادرة منه هو، فليست من طرف واحد حتى نحمل هذا الطرف المسئولية وحده.

الأمر الثالث: من الخاسر؟ فمثلاً هو عندما يعرض عنك سيكون بينك وبينه حاجز، وصار هنا

السؤال

من سيخسر؟ أفترض أن الخسارة لك أنت؛ لأنك أنت عندما تصاحبه وتجلس معه ستستفيد منه، وستجد منه أموراً كثيرة من أمور الخير ولو على الأقل أن تجد منه ريحاً طيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأما هو فقد لا يخسر كثيراً، فالخاسر أنت، أو بعبارة أخرى أنت صاحب الحاجة، فأنت الآن الذي تحتاج إلى أن تحسن هذه العلاقة، فالأولى أن تكون المبادرة منك أنت؛ لأنك أنت صاحب الحاجة، ثم أنت الذي ستخسر عندما تبقى هذه العلاقة علاقة سلبية.

الأمر الرابع: أن هذا المستقيم قد سبقك في ميادين كثيرة، فهو مثلاً: استقام، وترك المعصية، وفعل الطاعة، وفاقك في أمور كثيرة، فيا أخي! نريد منك نحن أن تفوق في هذه القضية وحدها، لماذا دائماً ترضى أن تكون في آخر القائمة؟! لماذا لا تقول: فلان سبقني في جوانب كثيرة من جوانب الخير فلابد أن أسبقه في هذا الخير، فنريد منك أن تساهم في تحطيم هذا الحاجز.

أمر خامس: قد يكون من حقه ذلك عندما هو يفرض هذا الحاجز، وعندما يرفض أن يلتقي بك، أو يجلس معك، أو يتحدث معك، والقضية ليست كبراً وليست غروراً وإن كانت قد توجد حالات نادرة، لكن لماذا لا تحمل دائماً أنت إلا أسوأ التفاسير؟ فهناك باب العذر والتبرير، فمثلاً: أنت عندما تلتقي به وتسخر منه بالله عليك أليس من حقه أن يرفضك؟ فلماذا أنت تواجهه بالسخرية دائماً؟ وأحياناً بالكلام وبالغمز أحياناً وبالإشارة بصورة أو بأخرى، أنت تفعل معه أنواعاً من السخرية، فكيف مع ذلك تطلب منه أنت أن يحطم هذه الحواجز، وأن يعاملك بنقيض ما تعامله؟! أيضاً: هو قد يكون عنده عذر آخر، فقد يكون يريد أن يحافظ على نفسه، فيرى مثلاً: أنه عندما يجلس معك تحدثه أنت عن المعاصي، وتحدثه عما تفعل وتسوغ له المعصية، فيرى أن جلوسه معك من باب مصاحبة جليس السوء، وقد تكون سبباً في وقوعه في المعصية، فمن هنا فهو يرفضك لا كبراً ولا استكباراً وإنما يرفضك من باب أن يحافظ على نفسه.

فلماذا لا تكون أنت صاحب القرار؟ ولماذا لا تحطم هذه الحواجز وتحترم مشاعر الآخرين؟ فتبدأه بالسلام وتبتسم له وتبدي له إعجابك وارتياحك بما هو عليه، وتقول: والله يا أخي! أنا أغبطك على الذي أنت عليه، يا أخي الكريم! هذا شيء أنا أجزم أنه موجود عندك في الداخل لماذا لا تقوله؟ أنا أجزم أنك أنت عندما يسألك أحد تقول: والله يا أخي! إني أغبط الناس المستقيمين والأخيار، وأتمنى أن أكون مثلهم، فأنت عندما تسلم عليه وتبتسم له وتقول: يا أخي! أنا أغبطك على الواقع الذي أنت عليه، وأتمنى أن أكون مثلك، وأتمنى أن أصير إلى الحال التي أنت عليه، وأرى أني على خطأ وعلى انحراف، وأخشى على نفسي لكن الشكوى إلى الله، وتساهم أنت في تحطيم الحواجز هذه، فتستفيد الكثير، وتختصر عليك خطوات كثيرة، لماذا لا تتمثل قول الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعا