للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإفراط في المحبة والتجاوز فيها]

عاشراً: الإفراط في المحبة والتجاوز فيها: قد يفرط المرء في محبة بعض إخوانه، قد يكون للأخ ثلة من إخوانه يلتقي بهم، ويراهم ويحبهم في الله، لكنه يحب فلاناً من الناس محبة زائدة، هو طبيعي أن يشعر أخ بارتياح لفلان أكثر من غيره، لكن داخل إطار معين، إذا تجاوزه يتحول إلى غلو، فينشأ عن ذلك نتائج سلبية، منها أنه ينقص في نظر الآخرين.

هؤلاء عشرة كلهم إخوة في الله ويحبهم في الله، وربما فيهم من هو أتقى من صاحبه، لكن هذا صاحبه الذي لا يبيع ولا يشتري من أجله كما يقول العامة، هو الذي إذا فقده فقد الناس، فيبخس حقوق الآخرين من أجل حق فلان من الناس، وعنده استعداد ألا يأتي إذا فقد فلاناً، ويأتي إذا أتى فلان، فترتب على هذه المبالغة في هذه المحبة بخس حقوق الآخرين.

يترتب عليها أيضاً أن يقلع عن خطئه، ويترك النصيحة التي هي من أهم ثمرات الأخوة، كما أشرنا في مبدأ الحديث أنه مع الإفراط في المحبة وكثرة الصلة وطولها حتى تجد اثنين من الشباب يصبحون كما يقال: روحان حللنا بدنا، فإذا رأيت محمداً ترى علياً، خرج علي يخرج محمد، دخل علي معناه سيدخل محمد بعده، يعني فصار لا يفقد أحدهما بعد الآخر، وهو طبيعي أن يكون بين شخصين ارتياح أكثر، لكن بقدر معين إذا تجاوزت فيه حتى صرت أجامله وأترك نصيحته وربما أبرر له أخطاءه، فهذه ثمرة ثالثة قد تكون وسيلة لموافقته على باطله، أو مشاركته فيه، وهذه حالات كثيرة، والذي ابتلي بها يشتكي منها، ويشعر أنه بدأ يضعف وبدأ يجامل صاحبه، لزيادة الغلو في هذه المحبة التي ما استطاع يتخلى عنها، وصار يشعر أنه لا بد أن يصاحب أخاه ويوافقه، فصار يوافقه على الباطل.

وآفة رابعة: أن تتحول إلى محبة عاطفية، وقد تنتقل إلى صورة لا تليق إلا بأهل الشذوذ، يعني كل واحد يعطيه الشريط كما يقال، فيحكي له سيرته، قد يكون الإنسان مع الصالحين وهو صالح، ففي حال خلوته قد تدعوه نفسه الأمارة بالسوء فيقع في معصية من المعاصي ويستره الله عز وجل، فحين يلقى صاحبه يكشف له ما ستر الله عليه، فيصبح ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل العمل بالليل فيستره الله، فيصبح فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، بات يستره الله ويكشف ستر الله عليه).

يا أخي! ما هو المبرر أنك عندما تلقى فلاناً تقول له: أنا والله وقعت في كذا؟ هو يقولها من باب الشكوى والشعور بالتقصير، لكن ما الحاجة إليها؟ يا أخي سترك الله فتب إلى الله واستتر بستر الله، وهذه مجاهرة: (كل أمتي معافى إلى المجاهرين)، فأنت الآن تدعو إلى التخلص من العافية، ألا تطمع أن تكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وأما المؤمن فيدعوه ربه فيضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول: وأنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أسترها لك اليوم)؟ قد ستر الله عليك المعصية فكيف تكشف هذا الستر وهذا الحجاب، وكيف تصل محبتك وصلتك بفلان من الناس إلى أن تكشف له عن أسرارك، إنك ترتكب معصية أخرى.

ثانياً: هذه وسيلة للإعانة على المعصية فإنك تكون قدوة سيئة له، فهو عندما يرى صاحبه الذي يتواصى معه على الخير، ويحبه في الله، عندما يراه يقع في المعصية صار قدوة سيئة أمامه، قد يكون هو وقع في نفس المعصية، فعندما يراك وقعت في نفس المعصية، صرت قدوة سيئة، وسننت سنة سيئة، ودعوته بسلوكك من حيث لا تشعر إلى ضلالة.

وقد تنتقل إلى صورة أخرى ونتيجة ثالثة وخاصة مع استمرائها؛ وهو أنه حين يعرف كل منهما ما في داخل صاحبه تتحول القضية إلى أن ينتقلا إلى حال يعين بعضهم بعضاً على المعصية، ويشعر أنه يعرف أنه يقع في ارتكابها، ويعرفه أنه كان فعل كذا، فتبقى الأمور مشوبة، وتكون مدعاة إلى تعاونهم على المعصية، وقد تكون سبب في انحرافهما جميعاً، والسبب يكمن في البداية في الإخلال بالأدبين الشرعيين، أولاً: في قضية الإفراط في الصلة والأخوة التي تكون على حساب الآخرين، والأمر الثاني: تجاوز الأدب الشرعي في الاستتار بستر الله.

معشر الإخوة الكرام! هذه بعض الآفات التي أشرت إليها آنفاً، والتي فيها من التصريح، وفيها من التلميح ما قد يمنع المقام عن الاستمراء فيه، والحر تكفيه الإشارة، هي عبارات وإشارات، وهي لا تعني بحال الطعن في هذه الأخوة، والطعن في هذا الجيل المبارك، بل إن الذي يدفعنا إلى الحديث عن هذه الآفات هو شعورنا بثمرات هذه الأخوة، وحرصنا عليها يدفعنا إلى التحذير من هذه الآفات، ومحاولة الحديث عنها حتى نتجنبها، وإلا فنحن والله نشعر بهذه الصلة، ونرى -والمسلمون شهداء الله في أرضه- أن هذا الجيل وهذه الصحوة سنت هذه السنة الحسنة، لقد نسيت هذه الأمة هذا المفهوم، نسيت إني أحبك في الله، نسيت الأخوة في الله، وأصبحت مجرد أمور مدونة في الكتب، ليس لها رصيد على أرض الواقع، فجاء هذا الجيل وجاءت هذه الصحوة لتتجاوز كل تلك الروابط، ولتقضي على كل تلك الصفات الجاهلية.

وطبيعي أن يكون هذا الجيل الذي هو إفراز لهذا المجتمع