للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السقوط في النهاية]

رابعاً: من نتائج حجب الحقائق: السقوط في النهاية؛ لأن الحواجز التي نفترضها تبقى حواجز مؤقتة فلا بد أن يكتشف الناس الخطأ بعد ذلك، ولأضرب لكم مثلاً واقعياً: الجهاد الأفغاني: بدأ الجهاد في وقت نسيت فيه الأمة الجهاد حتى صار من يدرس في الفقه يترك باب الجهاد؛ لأنه يشعر أنه يتحدث عن غير الواقع، فقام هذا الجهاد وأحيا هذه الفريضة في الأمة، وكان طبيعياً أن يكون هذا الجهاد فيه خطأ وفيه قصور وفيه تجاوزات والجهاد الأفغاني والأمة الأفغانية جزء من الأمة لا يمكن أن نفصل أمراض الأمة عن أمراضها، فكان طبيعياً أن تمتد العدوى بأمراض الأمة إلى الجهاد الأفغاني ومن باب أولى أن تمتد أمراض العمل الإسلامي والصحوة إلى الجهاد الأفغاني، فكان في الصف منافقون كان في الصف وصوليون كان في الصف من يريد السلطة كان في الصف فرقة وفتنة كان في الصف أخطاء، ومع ذلك كله لم تكن تلك الأخطاء مخرجة للجهاد عن كونه جهاداً شرعياً قام بواجب شرعي يجب على الأمة أن تدعمه وأن تقف معه، ولكن ما الذي كان يدور؟ كنا نتحدث في ذاك الوقت وبعاطفة جياشة عن أولئك المجاهدين وكأنهم صحابة أو تابعون، ونبالغ في سوق الكرامات والقصص والتي كثير منها لا أصل له، وكثير منها ربما كان مصدره ممن تعرفونهم من أصحاب الطرق وغيرهم ممن يتاجرون بمثل ذلك، ونساهم في إخفاء الحقائق أمام الناس، وحين يقع خطأ ظاهر نسارع في البحث عن تزويقه وتزيين الصورة، فهذا الخطأ يفتعله الأعداء الأعداء هم الذين يسعون إلى تفريق المجاهدين الأعداء هم الذين يفعلون الأعداء هم الذين يحيكون المؤامرات.

وحين يدخل رجل منافق في الصف فيقال: ليس صحيحاً هذا الأمر لقد تاب لقد رجع إلى الله عز وجل إلى غير ذلك، وحين بدت أصوات ناصحة تحذر المجاهدين فتقول لهم: إن في الصف منافقين لا بد من تنقية الصف لا بد من المراجعة لا بد من المحاسبة، ووجهت تلك الأصوات الناصحة في أن مرادها الطعن في الجهاد وأن هذا يعني الوقوع مع الأعداء في خندق واحد ويعني الوقوف ضد الجهاد إلى غير ذلك، وصارت تمارس ألوان الإرهاب الفكري ضد هؤلاء بأنهم ضد الجهاد بأنهم يثبطون بأنهم بأنهم إلى غير ذلك.

وحين تواجه هذا المتحدث في لقاء خاص وحديث صريح يقول لك: أعترف بأن هناك أخطاء ولكن حين نقول هذه الأخطاء أمام العامة ماذا يصنع العامة؟ لن يدعموا الجهاد فمن المصلحة أن نستر هذه الأخطاء والعيوب، وحين تقوم الدولة الإسلامية بإذن الله ستتجاوز هذه الأخطاء والعيوب.

وكان ما كان وحان قطف الثمرة، وصارت النتيجة التي سمعتم عنها، فتخلى الكثير من الناس عن الجهاد حتى سمعنا ممن ذهب ابنه شهيداً بإذن الله في تلك البقاع من يتندم ويبكي يقول: كيف ذهب ابني شهيداً في هذه الصفوف، وسمعنا العامة يقولون: إن أولئك دجالون كذابون أخذوا أموالنا إلى غير ذلك، وصاروا يتهمون الدعاة بأنهم خدعوهم، أو أنهم مغفلون خدعوا إلى غير ذلك.

أرأيتم ما النتيجة التي جنيناها؟ فما رأيكم لو كنا صرحاء من البداية؟ وقلنا للناس: معشر المسلمين! إن هذا جهاد فيه أخطاء فيه كذا وكذا، ولكن هذه الأخطاء لا تمنع من التصحيح.

ولو كنا نقول وبوضوح للمجاهدين: إن لديكم أخطاء فصححوا كذا افعلوا كذا اصنعوا كذا، لكان هذا مدعاة أن يعي الناس وأن يستعدوا حتى ولو لم يصحح الخطأ لقبول النتيجة المؤلمة التي صار إليها الواقع والتي صار الجميع يتندمون فيها على تلك الأموال التي يظنون أنهم أضاعوها هدراً وذهبت هدراً.

إننا نحن المسئولون عن هذه النتيجة؛ لأننا مارسنا حجب الحقيقة.

ولنتجاوز هذا الحدث ولا داعي لإثارة الماضي، والرجل الجاد ينظر إلى ما أمامه، فلنعتبر بتلك الأحداث ولنكن في المستقبل صرحاء مع أنفسنا صرحاء مع الناس ولنعرف أننا مهما مارسنا حجب الحقائق، ومهما مارسنا افتعال الأسوار الشائكة، فإن الناس لا بد أن يعرفوا الحقائق.

فخير لنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا أفراداً وجماعات مع الناس ومع أنفسنا حتى لا نحصد تلك الثمرة والمرارة المؤلمة.