للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم صرف العبادة لغير الله تعالى]

ثانياً: إن منهج إبراهيم وملة إبراهيم لها معلم بارز وشعار ظاهر بيّنه الله لورثة إبراهيم، فقد اختصم اليهود والنصارى وكل منهم يدّعي أنه سائر على منهج إبراهيم، فجاء الوحي: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:٦٧] إن مجرد نزاع أولئك على الانتماء له والادعاء بالسير وراءه لأعظم دليل على سمو الانتماء لهذا النبي الكريم، إن ملة إبراهيم هي كما حكى الله عز وجل: {كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:٦٧] وفي سورة الأنعام يقول حين أعلن بطلان إلوهية ما سوى الله: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:٧٩].

وفي سورة النحل يصفه الله عز وجل بذلك: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٠] ثم يأمر الله عز وجل نبيه، والأمر له أمر لأمته من بعده: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٣].

أترى أخي المسلم وأختي المسلمة بعد ذلك أولئك الذين يصرفون العبادة لغير الله في شتى أنحاء بلاد المسلمين يحق لهم أن ينتسبوا وينتموا لإبراهيم؟ ومع هذا التأكيد على ملة إبراهيم فيوحي الله إليه محذراً إياه من الشرك ومبيناً له أن من أهم ما يقتضيه حج بيت الله الحرام إعلان البراءة من الشرك والخلوص منه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:٢٦] ثم يخاطب الله عز وجل أمة الإسلام في ثنايا آيات الحج: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:٣٠ - ٣١].

وقد أخبر الله عز وجل في كتابه وهو العليم الحكيم أن الكثير ممن يدعي الإيمان يقع في الشرك فقال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] فما بال البعض ممن يحج إلى البيت وينتسب لإبراهيم يقعون في الشرك ويتوجهون لغير الله عز وجل؟ أيظن أولئك أن مجرد الانتساب للإسلام كاف لخلاصهم من الشرك وقد قال الله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦]، أم يظنون أن مجرد إقرارهم بالإيمان والدين كاف وقد أخبر الله عز وجل أن أنبياءه لو أشركوا لحبطت أعمالهم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

لقد حكى الله عز وجل عن المشركين أنهم وهم يتوجهون لأوثانهم بالعبادة ما كانوا يقصدون عبادة تلك الأوثان، بل كانوا يتخذونها وسيلة وزلفى إلى الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣].

فبالله عليكم ما الفرق بين أعرابي كان في ذلك العصر البائد يتوجه إلى حجارة يركع لها ويسجد ويرى أنها تقربه إلى الله زلفى، وبين رجل في القرن العشرين في عصر العلم والوعي أصبح يطوف على رفات قد مضت عليها السنون، ويعتقد أن صاحب هذا الضريح يقربه إلى الله زلفى ومنزلة إلى الله عز وجل؟ إنها صورة واضحة، إنه الشرك بالله عز وجل إنه الشرك الذي جاء هذا الدين لمحوه، هو الذي أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم لإبطاله والقضاء عليه، فما أجدر المسلم وقد أجاب نداء إبراهيم فجاء ملبياً أن يحرص على أن يتعلم ملة إبراهيم، أن يحرص على أن يعرف هذا الطريق وهذه الملة ليبتعد عن موجبات الشرك صغيره وكبيره.