للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعب والنصب والبذل للدين]

وقفة من الوقفات أيضاً حول هذا الحج.

ترى الناس في الحج يبذلون جهداً مضنياً، ويتحملون مشقة عظيمة، والله عز وجل قد امتن على عباده بأن سخّر لهم هذه الدواب والأنعام التي تنقلهم وتحملهم إلى بلد قال الله عز وجل: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ} [النحل:٧] {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:٢٧ - ٢٨].

قبل سنوات معدودة كان المسلم يأتي من خراسان ومن أقصى أفريقيا على دابته، وربما يأتي على قدميه أحدهم جاء من إحدى بلدان أفريقيا على قدميه وبدأ مسيره من شهر ذي الحجة، كلما دخل بلداً عمل فيها واكتسب شيئاً من المال، ثم سافر حتى وصل إلى مكة من العام القادم، وقضى حجه وعاد بنفس الطريقة ووصل إلى أهله وقد هل هلال ذي الحجة من العام الذي يليه، ومع ذلك يتعب ويتحمل النصب! وهذا الوقت الذي تيسرت فيه الأسباب والوسائل ترى المسلم كذلك يوفر من قوته وقوت عياله حتى يوفّر قيمة السفر وتكاليفه، ثم يقف طوابير طويلة ويتعب وينصب حتى يحصل على تصريح بالسفر، ويعطّل عمله وأهله وقتاً ويأتي إلى هذه البلاد، ثم يأتي وتراه يسعى في الشمس والحر وفي كل الأحوال يتحمل ذلك لله عز وجل، لكن أين المسلمون بعد ذلك عن سائر أمور عبادتهم؟ إنهم هم الذين ينصبون ويتعبون وينفقون المال لأجل أن يبذلوا هذا، فأين هم بعد ذلك من بذلهم لله عز وجل في سائر أمورهم؟ من تعبهم في خدمة دين الله عز وجل، وبذلهم لله سبحانه وتعالى؟