للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر القدوة والأسوة في كتاب الله]

أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتأسي بمن سبقه من الأنبياء والاقتداء بهديهم، يقول تبارك وتعالى عن إبراهيم: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام:٨٤ - ٩٠].

إن الله تبارك وتعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهدي أولئك الذين قص عليه سيرهم وأنباءهم في هذا الكتاب، وهذا الخطاب ليس للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده، إنها دعوة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهدي من سبقه من الأنبياء، وهي دعوة أيضاً لمن يقرأ القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسير على نفس المنهج، ويسلك السبيل نفسها.

ثانياً: أمر الله نبيه وأمته من بعده بالتأسي بإبراهيم عليه السلام ومن معه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الممتحنة:٤]، ثم قال تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الممتحنة:٦].

ثالثاً: أمر الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالتأسي به: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:٢١].

رابعاً: نهى تبارك وتعالى عن التناقض بين القول والعمل، وذم ذلك المسلك وعابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٢ - ٣]، وعاب تبارك وتعالى على بني إسرائيل أنهم ينسون أنفسهم إذ يأمرون بالبر غيرهم، فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤]، وتتوالى الآيات في كتاب الله التي تدعو المؤمنين إلى أن يكون العمل مصداقاً للقول وما يدعو إليه الإنسان، يقول تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣]، وقد استنبط بعض المفسرين من هذه الآية أن فيها الأمر بأن يعمل الداعية بما يقول ويدعو إليه.

خامساً: قص القرآن قصص بعض الصالحين والسابقين فيما مضى، يقول تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف:١٠] الآيات، وهي آيات يقرؤها المسلم كل أسبوع في يوم الجمعة، يقرأ فيها قصة هؤلاء الفتية من أهل الكهف، ويقرأ في القرآن الكريم أيضاً قصة أصحاب الأخدود، ويقرأ في القرآن الكريم قصة سحرة فرعون حينما آمنوا بموسى وقالوا لفرعون: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢].

وهي آيات كثيرة يقصها الله عز وجل علينا في كتابه عن السابقين أتباع الأنبياء الذين ساروا على سننهم وطريقتهم.

أيضاً: يذكر الله تبارك وتعالى في القرآن أحوال بعض الذين عاصروا التنزيل فأثنى على مواقفهم، فبقيت خالدة تتجاوز حدود الزمان والمكان الذي كانت فيه؛ لتبقى منارة للأجيال من بعدهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٢٣]، {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ م