للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قد يطرأ على المفضول ما يجعله أولى من الفاضل]

أمر خامس: قد يأتي للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل: وهذه قاعدة شرعية مهمة نبّه عليها شيخ الإسلام ونبّه عليها ابن القيم، وهي أنه قد يوجد عمل مفضول فيعتريه أمر يجعله أولى من الفاضل.

مثال: قراءة القرآن أفضل من الدعاء في الجملة فإذا جاء شخص إلى المسجد آخر ساعة في يوم الجمعة، فإنا نقول إن الدعاء في هذه الساعة أولى من قراءة القرآن.

إنسان فرغ من الصلاة فالأفضل له أن ينشغل بالذكر، فالذكر مفضول فأتاه سبب جعله أولى من الفاضل، والدعاء كذلك مفضول فأتاه ما جعله أولى من الفاضل تعالوا نطبق هذه القاعدة على هذا الميدان، فقد يكون هذا العلم مثلاً فاضلاً وذاك مفضولاً، لكن يأتينا أمر يجعله أولى فنحتاج مثلاً إلى إنسان يتخصص في الأدب لأن الواقع أن جزءاً من معركتنا معركة الأدب، وتعرفون أنتم أنا غزينا كثيراً من قبل الأدب سواء الأدب اللاأخلاقي والجنسي، أو الأدب الحداثي أو غيره، فنحتاج إلى إنسان يتفرغ للأدب فيحفظ الشعر ويقرأ في دواوين الأدب وكتب الأدب والمدارس الأدبية والنقد الأدبي.

مثال أقرب: إنسان مثلاً يقرأ عن الطوائف، يسمع عن القاديانية فيجمع مخطوطات ونشرات ويقرأ عنها وعن عقائدها وما يتعلق بها، ثم عن البهائية ثم عن الوجودية والعلمانية، وغيرها من الطوائف والنحل، وصارف وقته في قراءة خرافات هؤلاء وخزعبلاتهم، الآن أيهما أفضل: القراءة في هذه، أم القراءة في دواوين السنة وكتب السنة؟ لا شك أن القراءة في كتب السنة أفضل، لكن الآن قد نقول لفلان: إن اشتغالك بهذه القراءة أفضل؛ لأن الأمة محتاجة الآن إلى سد هذا الميدان، ومحتاجة إلى سد هذا الثغر فهذا مفضول لكن أتاه أمر جعله أولى من الفاضل، ومصداق ذلك من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الخروج للجهاد أفضل من القعود، لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرّج للجهاد يخلّف بعض أصحابه أميراً على المدينة، فقد خلّف علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أهله في غزة تبوك، فاعترض على ذلك فقال: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟) لماذا كان علي بمنزلة هارون من موسى؟ ما وجه الشبه هنا، تشبيه تخلف علي في أهل النبي صلى الله عليه وسلم بهارون وموسى؟ نعم لأن هارون خلف موسى في قومه، وعلي رضي الله عنه خلف النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، الآن الأفضل لـ علي أن يبقى في المدينة لا أن يخرج إلى الجهاد لأن هذا قد صار متعيناً عليه.

إذاً فنقول: إنه لا مجال لأن تقول لي: هذا الميدان أفضل! وذلك ما دمت أنت ستبدع في هذا الميدان وستفلح فيه، أو لسبب أو لآخر هذا ميدان مهجور أو متروك فاسلكه يا أخي ولا تلتفت إلى ما سواك، وإذا أخلصت النية وصدقت الله سبحانه وتعالى فإن الله يعطيك أجر من عمل ذلك العمل.