للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قيمة الإنسان في عبوديته لله عز وجل]

أول قضية في التوحيد يجب أن يعيها المسلم: ما هو سر وجوده؟ لماذا خلق؟ خلق الإنسان من أجل عبادة الله تبارك وتعالى، من أجل توحيد الله عز وجل.

وماذا يعني هذا الأمر؟ هناك نتائج مهمة تترتب على هذا التساؤل، أولها: ما قيمة عبادة الله في حياتنا؟ فعندما نعرف أن الإنسان ما خلق ولا وجد ولم يسخر له كل ما في الكون إلا لعبادة الله، فهذا معناه أن هذا الإنسان لا يساوي شيئاً بدون عبادة الله عز وجل، بل يصبح كائناً آخر، يصبح صفراً على الشمال.

وأصدق وصف لهؤلاء ما وصفهم الله تبارك وتعالى به في قوله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان:٤٤]، يعني: هم في حقيقة حياتهم وسلوكهم يعيشون كما تعيش الأنعام، فالإنسان الذي يعيش لشهواته، ولما تدعوه إليه نفسه فقط، وهذه القضية الأولى والأخيرة عنده في الحياة، هو يعيش كما تعيش الأنعام.

ثم جاء الاستدراك: (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) لماذا صاروا أضل من الأنعام؟ أضل من الأنعام لأن الأنعام خلقت هكذا، وما كلفت هذا التكليف، وما جعل عندها الاستعداد لتحمل هذا التكليف، أما أنت فقد جعل الله عندك عقلاً، وفطرك على الخير، وخاطبك بالأوامر والنواهي، وأرسل إليك الرسل؛ كل هذا لكي تعيش حياة أخرى، فحينما تكون عندك كل هذه الفرص وتعيش عيشة الأنعام فأنت في الواقع أضل من الأنعام، لأن الأنعام هذا منتهى ما هي عليه.

وهذا يعني أيضاً أن أعلى شرف يمكن أن يصل إليه الإنسان، وأعلى عز وأعلى قيمة للإنسان في الدنيا هي في مدى تحقيقه لعبودية الله تبارك وتعالى.

فأنت لو سألت الناس في كل المجتمعات: ما هي المعايير والموازين والمقاييس التي يقيسون الناس من حولهم بها؟ مثلاً أنت تعتبر هذا الرجل رجلاً ناجحاً في الحياة، أو رجلاً سعيداً في الحياة، من هو الرجل السعيد في الحياة في نظرك؟ لو طرحت هذا السؤال على مجموعة من الناس قطعاً ستجد الإجابة متفاوتة، وكل إنسان يجيب بما عنده، فإجابات الناس تعكس ثقافتهم وتعكس خلفياتهم وتعكس ما عندهم من تفكير.

فلو سألت أي إنسان من هو أسعد الناس في الحياة؟ ومن هو أفضل الناس في الحياة في نظرك؟ ستجد إجابات تختلف، فبعض الناس يقول: الإنسان الثري هو أسعد الناس في الحياة، وبعضهم: الإنسان الذي عنده جاه، وبعضهم: الذي عنده سلطان، فإجابات الناس تختلف.

لكن ما هي الإجابة الحقيقية فعلاً؟ نعود إلى القضية التي قلناها أول شيء وهي مسألة لماذا وجد الإنسان؟ وجد الإنسان لعبادة الله تبارك وتعالى، ولتحقيق هذا الأمر، إذاً: أسعد الناس في الحياة، وأعلى الناس قيمة في الحياة هو الإنسان الذي يحقق القضية تحقيقاً تاماً، فكلما كان الإنسان أكثر عبودية لله عز وجل، وأكثر خضوعاً لله تبارك وتعالى صار أعلى قيمة في الحياة.

إذاً: قيمتك في الدنيا كلها تكمن في تحقيق هذه القضية.

أما الاعتبارات التي يضعها الناس ومقاييسهم وموازينهم حتى يقيسوا بها الإنسان الذي له قيمة في الحياة، فكلها يمكن أن تزول، ولنفترض أن عندنا إنساناً ثرياً يملك مبالغ طائلة، ويعيش حياة الأباطرة، قد نتصور أن هذا الإنسان هو الإنسان الذي بلغ القمة، بينما هذا الإنسان يمكن تأتيه كارثة أو مشكلة مالية فينهار ويتحول إلى إنسان مفلس تماماً.

هذا الإنسان يمكن يسير بسيارته ويصير عليه حادث فيفقد حواسه ويجلس مقعداً في المستشفى، فماذا تنفعه الملايين التي عنده، أو ماذا تنفعه قيمته أو مكانته عند الناس؟ ممكن بسهولة يأتيه مرض من الأمراض فيقضي على حياته كلها، وممكن في النهاية يموت وسيموت قطعاً، وعندما يموت يمشي وراءه أناس في جنازته، والناس تعزي في الجرائد والصحف، لكن خلاص انتهى.

دفن في قبره، مجرد من شهاداته، مجرد من الألقاب التي تعود أن يأخذها في الدنيا، مجرد من الاحترام الذي يلقاه عند الناس في الدنيا.

فأي شخص يدخل الحفرة يستوي فيها هو والفقير والغني والصعلوك، فالذي مات من الجوع ودفن وكان سبب موته هو الجوع يستوي تماماً مع الذي مات من التخمة، ومع الذي مات من أي أمر آخر، وتنتهي الستين والسبعين سنة.

ما هو الرصيد الحقيقي الذي يجعل لك قيمة في الحياة؟ الإنسان الذي أقام عبودية الله تبارك وتعالى، وحقق هذا الجانب، وتحققت القضية عنده بوضوح، سيبقى له عمر ممتد، وستبقى الحياة الدنيا الذي عاشها مجرد مرحلة من المراحل، فهو يعيش في الدنيا ستين أو سبعين أو ثمانين سنة، لكن في النهاية سينتقل إلى الدار الآخرة.

إذاً: فقيمتك في الحياة وحياتك الحقيقية هي بمقدار ما تحقق في نفسك عبودية الله تبارك وتعالى.